أمسيـة صيفيـة
للفنان النرويجي إدفـارد مونـك، 1889
للفنان النرويجي إدفـارد مونـك، 1889
اعتاد الكثيرون على أن ينظروا إلى بعض الفنّانين على أنهم شخصيات غير مستقرّة، يعانون في حياتهم كثيرا وينتجون فنّا معقّدا، لكنّ فيه تميّزا وإبداعا.
وهناك أمثلة كثيرة على هذه النوعية من الفنّانين، منهم على سبيل المثال لا الحصر، فان غوخ وفريدا كالو وجاكسون بولوك وغيرهم.
ونموذج الفنّان الرومانسيّ الذي يعاني ويتألّم أصبحت توقيعا مألوفا في تاريخ الفنّ وفي الثقافة الشعبية. وهو نموذج مغرٍ كثيرا بالإضافة إلى انه يسهل تسويقه.
وإدفارد مونك كان، هو الآخر، نموذجا للفنّان الذي يدفعه القلق والنظرة السوداوية للحياة لأن ينتج فنّا مبتكرا وحقيقيّا. وقد شُيّدت أسطورته أثناء حياته على يد بعض المؤرّخين والنقّاد، وعلى يد الرسّام نفسه. ثم تعزّزت تلك الصورة من خلال افتتان الناس بلوحاته ومناظره عن الألم واليأس وتعذيب الذات.
ومنذ مرحلة مبكرة من حياته، اهتمّ مونك بأن يوصل من خلال رسوماته مشاعر الحزن والعزلة والاستلاب التي يتّسم بها إنسان العصر الحديث.
وهذه اللوحة تعكس ذلك الاهتمام بوضوح. وهي من أولى لوحات مونك التي تناول فيها موضوع الحزن والذي سيتكرّر كثيرا في توليفاته المستقبلية الأكثر رمزيةً.
كان مونك مهجوسا طوال حياته بالعزلة وبعلاقات الحبّ المعقّدة سيكولوجيّا. وقد بدأ التعبير عن تلك الأفكار المظلمة بهذه اللوحة التي حاول فيها الإمساك بشخصيّة الأنثى المنعزلة والضائعة في أفكارها في طبيعة هادئة.
في صيف عام 1889، استقرّ الرسّام في قرية للصيّادين تقع على الطرف الغربيّ لـ فيورد اوسلو. كانت القرية مشهورة ببساطة الحياة فيها وبكونها تؤوي مجتمعا للبوهيميين.
وفيها تخيّل حكاية غياب وفقد ووحدة جسّدها في هذه اللوحة التي استخدم فيها ناقدا مسرحيّا يُدعى سيغورد بوتكر مع شقيقته كـ موديلين.
ولم يهتمّ مونك كثيرا بالتجسيد الدقيق للشخصيتين، فرسم المرأة بحيث بدت اكبر سنّاً من عمرها الحقيقي. وهي في الصورة تبدو صامتة ومتحفّظة وباردة. ووظّف في أكثر من مكان في اللوحة ألوانا شفافة وحرّة، كما قسّم سطح الصورة تقسيما عموديّا. والتباين بين الطبيعة المفتوحة والمضاءة بالشمس والشرفة المظلمة جزئيّا التي يقف عليها الشخصان استُخدم بطريقة رمزية لإيصال الجوّ المكثّف.
منظر المزاج الأزرق والحزين، مثل الذي يظهر في هذه الصورة، هو احد التقاليد الطويلة في الفنّ النرويجيّ. والأزرق مرتبط، على وجه الخصوص، بطبيعة شمال النرويج وجبالها وليالي الصيف الطويلة فيها عندما لا تفقد السماء لونها الأزرق كليّاً.
وهذا الربط بين الهويّة الوطنيّة والسمات الطبيعية من مناخ وتضاريس وخلافه، كان جزءا من الحركة الوطنية النرويجية التي كانت ترى أن النرويجيين متمايزون عن السويديين، وتتطلّع بالتالي لأن تنال النرويج استقلالها عن السلطة السويدية الحاكمة.
بعض صور مونك الأكثر إشكاليةً تصوّر النساء كمصّاصات للدماء وكشخصيّات منعزلة تسيطر عليهنّ مشاعر الشوق والرغبة. وقد قيل في بعض المرّات أن تلك الصور كانت انعكاسا لخوف الرسّام نفسه من جنسانية الأنثى وسلطتها. وتلك الصور تتضمّن جميع الصفات الخطرة المرتبطة بالنساء كالجمال والرغبة والنأي والانتحار.
في إحدى لوحاته الأخرى بعنوان عروس البحر ، يصوّر مونك شاطئا صخريّا بالقرب من منزله الصيفيّ. وهو يمزج بأسلوب فاتن بين الأسطورة والواقع كي يقنع المتلقّي بأن عرائس البحر هي مخلوقات طبيعية وحقيقية تماما في ارض شمس منتصف الليل.
بعض النقّاد يشيرون اليوم إلى أن فكرة مونك المجنون والمعذّب ربّما كانت حيلة ذكيّة ومقنعة من الرسّام لتوظيف معاناته الشخصية بفقده شقيقتيه من اجل أن يسوّق لاسمه وفنّه.
واعتبارا من ربيع عام 1892، كان مونك قد بدأ فعليّا عملية التفكير في أفضل الطرق لتسويق لوحاته، وكان من ضمنها ترويج صورة له على انه فنّان منحلّ وغير مستقرّ ومعذّب. ومذكّراته من تلك الفترة تتضمّن شروحا سيكولوجية وشخصية لصوره، وكلّها توحي بأن تلك المذكّرات كانت ترمي إلى تكريس هذا الانطباع عنه في أذهان الجمهور.
استمرّ إدفارد مونك يرسم حوالي ستّين عاما، وعندما توفّي كان بحوزته أكثر من ألف لوحة، وقد وهبها جميعا إلى بلدية أوسلو عندما كتب وصيّته في ابريل من عام 1940، أي بعد وقت قصير من احتلال الألمان للنرويج.
وتوفّي بعد ذلك بأربع سنوات، أي في يناير من عام 1944. وجميع لوحاته التي تركها موجودة اليوم في المتحف الذي يحمل اسمه في أوسلو، لكن ليس من بينها لوحته الأشهر الصرخة الموجودة في متحف أوسلو الوطني مع مجموعة من أعماله الأخرى.
وهناك أمثلة كثيرة على هذه النوعية من الفنّانين، منهم على سبيل المثال لا الحصر، فان غوخ وفريدا كالو وجاكسون بولوك وغيرهم.
ونموذج الفنّان الرومانسيّ الذي يعاني ويتألّم أصبحت توقيعا مألوفا في تاريخ الفنّ وفي الثقافة الشعبية. وهو نموذج مغرٍ كثيرا بالإضافة إلى انه يسهل تسويقه.
وإدفارد مونك كان، هو الآخر، نموذجا للفنّان الذي يدفعه القلق والنظرة السوداوية للحياة لأن ينتج فنّا مبتكرا وحقيقيّا. وقد شُيّدت أسطورته أثناء حياته على يد بعض المؤرّخين والنقّاد، وعلى يد الرسّام نفسه. ثم تعزّزت تلك الصورة من خلال افتتان الناس بلوحاته ومناظره عن الألم واليأس وتعذيب الذات.
ومنذ مرحلة مبكرة من حياته، اهتمّ مونك بأن يوصل من خلال رسوماته مشاعر الحزن والعزلة والاستلاب التي يتّسم بها إنسان العصر الحديث.
وهذه اللوحة تعكس ذلك الاهتمام بوضوح. وهي من أولى لوحات مونك التي تناول فيها موضوع الحزن والذي سيتكرّر كثيرا في توليفاته المستقبلية الأكثر رمزيةً.
كان مونك مهجوسا طوال حياته بالعزلة وبعلاقات الحبّ المعقّدة سيكولوجيّا. وقد بدأ التعبير عن تلك الأفكار المظلمة بهذه اللوحة التي حاول فيها الإمساك بشخصيّة الأنثى المنعزلة والضائعة في أفكارها في طبيعة هادئة.
في صيف عام 1889، استقرّ الرسّام في قرية للصيّادين تقع على الطرف الغربيّ لـ فيورد اوسلو. كانت القرية مشهورة ببساطة الحياة فيها وبكونها تؤوي مجتمعا للبوهيميين.
وفيها تخيّل حكاية غياب وفقد ووحدة جسّدها في هذه اللوحة التي استخدم فيها ناقدا مسرحيّا يُدعى سيغورد بوتكر مع شقيقته كـ موديلين.
ولم يهتمّ مونك كثيرا بالتجسيد الدقيق للشخصيتين، فرسم المرأة بحيث بدت اكبر سنّاً من عمرها الحقيقي. وهي في الصورة تبدو صامتة ومتحفّظة وباردة. ووظّف في أكثر من مكان في اللوحة ألوانا شفافة وحرّة، كما قسّم سطح الصورة تقسيما عموديّا. والتباين بين الطبيعة المفتوحة والمضاءة بالشمس والشرفة المظلمة جزئيّا التي يقف عليها الشخصان استُخدم بطريقة رمزية لإيصال الجوّ المكثّف.
منظر المزاج الأزرق والحزين، مثل الذي يظهر في هذه الصورة، هو احد التقاليد الطويلة في الفنّ النرويجيّ. والأزرق مرتبط، على وجه الخصوص، بطبيعة شمال النرويج وجبالها وليالي الصيف الطويلة فيها عندما لا تفقد السماء لونها الأزرق كليّاً.
وهذا الربط بين الهويّة الوطنيّة والسمات الطبيعية من مناخ وتضاريس وخلافه، كان جزءا من الحركة الوطنية النرويجية التي كانت ترى أن النرويجيين متمايزون عن السويديين، وتتطلّع بالتالي لأن تنال النرويج استقلالها عن السلطة السويدية الحاكمة.
بعض صور مونك الأكثر إشكاليةً تصوّر النساء كمصّاصات للدماء وكشخصيّات منعزلة تسيطر عليهنّ مشاعر الشوق والرغبة. وقد قيل في بعض المرّات أن تلك الصور كانت انعكاسا لخوف الرسّام نفسه من جنسانية الأنثى وسلطتها. وتلك الصور تتضمّن جميع الصفات الخطرة المرتبطة بالنساء كالجمال والرغبة والنأي والانتحار.
في إحدى لوحاته الأخرى بعنوان عروس البحر ، يصوّر مونك شاطئا صخريّا بالقرب من منزله الصيفيّ. وهو يمزج بأسلوب فاتن بين الأسطورة والواقع كي يقنع المتلقّي بأن عرائس البحر هي مخلوقات طبيعية وحقيقية تماما في ارض شمس منتصف الليل.
بعض النقّاد يشيرون اليوم إلى أن فكرة مونك المجنون والمعذّب ربّما كانت حيلة ذكيّة ومقنعة من الرسّام لتوظيف معاناته الشخصية بفقده شقيقتيه من اجل أن يسوّق لاسمه وفنّه.
واعتبارا من ربيع عام 1892، كان مونك قد بدأ فعليّا عملية التفكير في أفضل الطرق لتسويق لوحاته، وكان من ضمنها ترويج صورة له على انه فنّان منحلّ وغير مستقرّ ومعذّب. ومذكّراته من تلك الفترة تتضمّن شروحا سيكولوجية وشخصية لصوره، وكلّها توحي بأن تلك المذكّرات كانت ترمي إلى تكريس هذا الانطباع عنه في أذهان الجمهور.
استمرّ إدفارد مونك يرسم حوالي ستّين عاما، وعندما توفّي كان بحوزته أكثر من ألف لوحة، وقد وهبها جميعا إلى بلدية أوسلو عندما كتب وصيّته في ابريل من عام 1940، أي بعد وقت قصير من احتلال الألمان للنرويج.
وتوفّي بعد ذلك بأربع سنوات، أي في يناير من عام 1944. وجميع لوحاته التي تركها موجودة اليوم في المتحف الذي يحمل اسمه في أوسلو، لكن ليس من بينها لوحته الأشهر الصرخة الموجودة في متحف أوسلو الوطني مع مجموعة من أعماله الأخرى.