عائلـة داريـوس أمـام الاسكنـدر
للفنان الايطالي باولـو فيـرونيـزي، 1565
للفنان الايطالي باولـو فيـرونيـزي، 1565
تصوّر هذه اللوحة حادثة مهمّة ذكرها المؤرّخون القدامى.
وأصل القصّة يعود إلى العام 333 قبل الميلاد، عندما ألحق الاسكندر المقدوني الهزيمة بداريوس ملك الفرس وآخر ملوك الدولة الإخمينية في معركة ايسوس.
وقد نجا داريوس من الأسر عندما فرّ من ميدان المعركة. لكنّ والدته وزوجته وابنتيه اُخذوا أسرى. وطبقا لـ بلوتارك، فقد منحهم الاسكندر العفو وعاملهم باحترام.
وفي تفاصيل القصّة أن الاسكندر ذهب إلى خيمة عائلة الملك المهزوم مصطحبا معه هيفاستيون مساعده ومستشاره وصديق طفولته، لتأمينهم وطمأنتهم.
واللوحة تصوّر ذلك المشهد الدرامي المهيب. والدة داريوس تجثو أمام الاسكندر وتتوسّل إليه بأن يُبقي على حياتها وعائلتها. وخلف الأمّ تقف زوجة داريوس وابنتاه، بينما الاسكندر يقف إلى اليمين مرتديا ملابس حمراء ومحاطا بجنوده وحرسه ومشيرا بيده إلى مساعده المقرّب الواقف إلى يساره.
بعض المصادر التاريخية تذكر أن والدة داريوس ركعت أمام هيفاستيون ظنّا منها انه الاسكندر، لكن احد المرافقين لفت انتباهها لذلك الخطأ، فما كان من الاسكندر إلا أن تدخّل مؤكّدا أن لا فرق بينه وبين مساعده.
وخلف الزوجة، يقف رجل ملتح قد يكون مترجما أو مرافقا، كما يمكن رؤية عدد من الجند يراقبون ما يحدث، بالإضافة إلى كلب وقرد وولد يستريح على درع. وهناك أيضا منظر غامض لحصان ضخم يقف في أقصى اليمين.
من الواضح أن الرسّام ركّز بشكل خاص على شخص الاسكندر. لكن اللوحة تمتلئ بالتفاصيل الكثيرة التي ربّما كان الهدف منها ملء الفراغ.
والحقيقة أن لا أحد يعرف إن كان شخص ما كلّف الفنّان فيرونيزي برسم هذه القصّة، أو انه رسمها لأنه قرأ عنها فأعجبته. الاحتمال الأخير مرجّح، لأن الحادثة تتضمّن لفتة فروسية وتنطوي على معنى أخلاقيّ.
فالقائد المنتصر، أي الاسكندر، يظفر بعائلة خصمه، لكنه يعفو عنهم ويعاملهم معاملة لائقة فيحفظ لهم ألقابهم وامتيازاتهم الملوكية. ورغم أن زوجة داريوس، واسمها ستاتيرا، كانت مشهورة بجمالها، إلا أن الاسكندر لم يرغب في الاقتراب منها بل عاملها وابنتيها بكلّ تكريم واحترام.
الرسّام لم يتمسّك بحرفية وصف المؤرّخين للحادثة. فاللقاء بين الاسكندر وعائلة داريوس في اللوحة يجري في قاعة قصر فخم وليس في خيمة. وأعمال الخشب والرخام والديكور تحمل بصمة فينيسيا التي عاش فيها الرسّام ولا علاقة لها بفارس القديمة ولا ببلدان الشرق عامّة.
ويقال بأن فيرونيزي استعار صور بعض معاصريه ليضمّنها في اللوحة، كما جرى العرف في رسم المواضيع التاريخية. فالنساء الجاثيات هنّ زوجة الرسّام وابنتاه، والرجل الذي يقدّمهنّ ويرتدي لباسا بنفسجيّا هو الرسّام نفسه.
التصميم المسرحيّ الذي صنعه فيرونيزي للوحة، والخلفية البيضاء من الرخام، والأرضيّة ذات الألوان الخفيفة، وكلّ تفاصيل الهندسة المعمارية التي تنظّم حركة الشخصيات؛ هذا النوع من التفاصيل هو ما كان يفضّله في أعماله. وقد رسم اسكتشات ومراجعات عديدة للوحة، كما أضاف الشرفة في الخلفية والعديد من الشخوص.
هذه اللوحة اعتُبرت من أعظم لوحات فينيسيا. وقد جذبت إعجاب العديد من الكتّاب، منهم غوته وراسكين وهنري جيمس. غوته، مثلا، ذكرها بإعجاب في سياق حديثه عن وقائع زيارته لفينيسيا في نهاية القرن الثامن عشر. وقد رآها أثناء مكوثه في قصر بالاتزو بيساني موريتا، وأكّد على القصّة التي تقول إن فيرونيزي رسم اللوحة وأهداها لعائلة بيساني كلفتة شكر وعرفان لهم على استضافته في القصر.
نخبة فينيسيا في ذلك الوقت كانوا من الأغنياء والمتعلّمين. وكان هؤلاء معتادين على أن ينفقوا المال ببذخ للتشاوف والتفاخر بثقافتهم وذوقهم في الفنّ والعمارة.
في عام 1664، حاول وكلاء ملكة السويد كريستينا شراء اللوحة، وتفاوضوا مع سفير فينيسيا في روما آنذاك، لكن الثمن المطلوب كان باهظا.
وفي عام 1856، وبعد مفاوضات دامت أربع سنوات، قرّر رئيس الناشيونال غاليري بلندن شراء اللوحة مقابل أربعة عشر ألف جنيه استرليني. واعتُبر اقتناء الغاليري البريطانيّ لها انتصارا ثقافيا، لدرجة أن الملكة فيكتوريا قامت بزيارة خاصّة للغاليري لكي تراها.
اللوحة ضخمة، عرضها خمسة عشر قدما، وطولها ثمانية أقدام. وفي ما بعد، عندما رآها الكاتب هنري جيمس أثناء زيارة له للندن وصفها قائلا: رأيت الاسكندر في إهاب شابّ فينيسيّ وسيم يرتدي بنطالا قرمزيّ اللون. وما من شكّ في أن وجود هذه اللوحة يبعث وهجا دافئا في ليل لندن البارد".
يمكن القول أن جمال هذه اللوحة يكمن في براعة الرسم والتخطيط والتحكّم في الضوء والظلّ واختيار الألوان. ولا عجب في هذا، فرسّامو فينيسيا كانوا يعتبرون فيرونيزي الملوّن الأعظم.
ومع ذلك كان هو اقلّ شخصيات رسّامي عصر النهضة الفينيسية الثلاثة اعتبارا وقيمة، والآخران هما تيشيان وتنتوريتو. ولطالما نُظر إليه، وحتى منتصف القرن الماضي، باعتباره رسّاما ومزيّنا بارعا أكثر منه معلّما عظيما.
صحيح أن بعض لوحاته تمتّع العين وتبهج المشاعر، لكن لا يبدو أن الكثيرين يقفون أمامها طويلا في المتاحف هذه الأيّام، لأن هناك من النقّاد ومن المهتمّين بالرسم من يعتبرون فيرونيزي ولوحاته "موضة قديمة".
المشكلة أن الناس أصبحوا يفضّلون الانفعالات والدراما على الجمال المحض. ولوحات فيرونيزي، على الرغم من جمال ألوانها وتفاصيلها، ليس فيها تلك الدراما المثيرة ولا التعبيرات اللافتة.
في الرسم، أكثر من أيّ شيء آخر، كان فيرونيزي يعرف كيف يمجّد رعاته بإظهار ثرواتهم ومكانتهم ومعرفتهم الواسعة.
وبحسب بعض النقّاد، فإن مذهب المتعة الذي كان يؤمن به الرسّام ورعاته قد يكون السبب في أن الناس في العصر الحديث ينظرون إليه على انه رسّام متصنّع مهتمّ برسم الأماكن الفخمة والحشود الكثيرة أكثر من اهتمامه بالتقاط جوهر ومضمون وروح المشاهد التاريخية التي كان يرسمها.
لكن قد يكون عذره انه درس النحت في بداياته، والنحت يعتمد على الحركات والإيماءات والإشارات. وظلّت تجربته وخبرته تلك في النحت أساسا لأسلوبه في رسم الصور الذي يُفترض انه يعتمد على التعبيرات والمشاعر والانفعالات.
وقد نجا داريوس من الأسر عندما فرّ من ميدان المعركة. لكنّ والدته وزوجته وابنتيه اُخذوا أسرى. وطبقا لـ بلوتارك، فقد منحهم الاسكندر العفو وعاملهم باحترام.
وفي تفاصيل القصّة أن الاسكندر ذهب إلى خيمة عائلة الملك المهزوم مصطحبا معه هيفاستيون مساعده ومستشاره وصديق طفولته، لتأمينهم وطمأنتهم.
واللوحة تصوّر ذلك المشهد الدرامي المهيب. والدة داريوس تجثو أمام الاسكندر وتتوسّل إليه بأن يُبقي على حياتها وعائلتها. وخلف الأمّ تقف زوجة داريوس وابنتاه، بينما الاسكندر يقف إلى اليمين مرتديا ملابس حمراء ومحاطا بجنوده وحرسه ومشيرا بيده إلى مساعده المقرّب الواقف إلى يساره.
بعض المصادر التاريخية تذكر أن والدة داريوس ركعت أمام هيفاستيون ظنّا منها انه الاسكندر، لكن احد المرافقين لفت انتباهها لذلك الخطأ، فما كان من الاسكندر إلا أن تدخّل مؤكّدا أن لا فرق بينه وبين مساعده.
وخلف الزوجة، يقف رجل ملتح قد يكون مترجما أو مرافقا، كما يمكن رؤية عدد من الجند يراقبون ما يحدث، بالإضافة إلى كلب وقرد وولد يستريح على درع. وهناك أيضا منظر غامض لحصان ضخم يقف في أقصى اليمين.
من الواضح أن الرسّام ركّز بشكل خاص على شخص الاسكندر. لكن اللوحة تمتلئ بالتفاصيل الكثيرة التي ربّما كان الهدف منها ملء الفراغ.
والحقيقة أن لا أحد يعرف إن كان شخص ما كلّف الفنّان فيرونيزي برسم هذه القصّة، أو انه رسمها لأنه قرأ عنها فأعجبته. الاحتمال الأخير مرجّح، لأن الحادثة تتضمّن لفتة فروسية وتنطوي على معنى أخلاقيّ.
فالقائد المنتصر، أي الاسكندر، يظفر بعائلة خصمه، لكنه يعفو عنهم ويعاملهم معاملة لائقة فيحفظ لهم ألقابهم وامتيازاتهم الملوكية. ورغم أن زوجة داريوس، واسمها ستاتيرا، كانت مشهورة بجمالها، إلا أن الاسكندر لم يرغب في الاقتراب منها بل عاملها وابنتيها بكلّ تكريم واحترام.
الرسّام لم يتمسّك بحرفية وصف المؤرّخين للحادثة. فاللقاء بين الاسكندر وعائلة داريوس في اللوحة يجري في قاعة قصر فخم وليس في خيمة. وأعمال الخشب والرخام والديكور تحمل بصمة فينيسيا التي عاش فيها الرسّام ولا علاقة لها بفارس القديمة ولا ببلدان الشرق عامّة.
ويقال بأن فيرونيزي استعار صور بعض معاصريه ليضمّنها في اللوحة، كما جرى العرف في رسم المواضيع التاريخية. فالنساء الجاثيات هنّ زوجة الرسّام وابنتاه، والرجل الذي يقدّمهنّ ويرتدي لباسا بنفسجيّا هو الرسّام نفسه.
التصميم المسرحيّ الذي صنعه فيرونيزي للوحة، والخلفية البيضاء من الرخام، والأرضيّة ذات الألوان الخفيفة، وكلّ تفاصيل الهندسة المعمارية التي تنظّم حركة الشخصيات؛ هذا النوع من التفاصيل هو ما كان يفضّله في أعماله. وقد رسم اسكتشات ومراجعات عديدة للوحة، كما أضاف الشرفة في الخلفية والعديد من الشخوص.
هذه اللوحة اعتُبرت من أعظم لوحات فينيسيا. وقد جذبت إعجاب العديد من الكتّاب، منهم غوته وراسكين وهنري جيمس. غوته، مثلا، ذكرها بإعجاب في سياق حديثه عن وقائع زيارته لفينيسيا في نهاية القرن الثامن عشر. وقد رآها أثناء مكوثه في قصر بالاتزو بيساني موريتا، وأكّد على القصّة التي تقول إن فيرونيزي رسم اللوحة وأهداها لعائلة بيساني كلفتة شكر وعرفان لهم على استضافته في القصر.
نخبة فينيسيا في ذلك الوقت كانوا من الأغنياء والمتعلّمين. وكان هؤلاء معتادين على أن ينفقوا المال ببذخ للتشاوف والتفاخر بثقافتهم وذوقهم في الفنّ والعمارة.
في عام 1664، حاول وكلاء ملكة السويد كريستينا شراء اللوحة، وتفاوضوا مع سفير فينيسيا في روما آنذاك، لكن الثمن المطلوب كان باهظا.
وفي عام 1856، وبعد مفاوضات دامت أربع سنوات، قرّر رئيس الناشيونال غاليري بلندن شراء اللوحة مقابل أربعة عشر ألف جنيه استرليني. واعتُبر اقتناء الغاليري البريطانيّ لها انتصارا ثقافيا، لدرجة أن الملكة فيكتوريا قامت بزيارة خاصّة للغاليري لكي تراها.
اللوحة ضخمة، عرضها خمسة عشر قدما، وطولها ثمانية أقدام. وفي ما بعد، عندما رآها الكاتب هنري جيمس أثناء زيارة له للندن وصفها قائلا: رأيت الاسكندر في إهاب شابّ فينيسيّ وسيم يرتدي بنطالا قرمزيّ اللون. وما من شكّ في أن وجود هذه اللوحة يبعث وهجا دافئا في ليل لندن البارد".
يمكن القول أن جمال هذه اللوحة يكمن في براعة الرسم والتخطيط والتحكّم في الضوء والظلّ واختيار الألوان. ولا عجب في هذا، فرسّامو فينيسيا كانوا يعتبرون فيرونيزي الملوّن الأعظم.
ومع ذلك كان هو اقلّ شخصيات رسّامي عصر النهضة الفينيسية الثلاثة اعتبارا وقيمة، والآخران هما تيشيان وتنتوريتو. ولطالما نُظر إليه، وحتى منتصف القرن الماضي، باعتباره رسّاما ومزيّنا بارعا أكثر منه معلّما عظيما.
صحيح أن بعض لوحاته تمتّع العين وتبهج المشاعر، لكن لا يبدو أن الكثيرين يقفون أمامها طويلا في المتاحف هذه الأيّام، لأن هناك من النقّاد ومن المهتمّين بالرسم من يعتبرون فيرونيزي ولوحاته "موضة قديمة".
المشكلة أن الناس أصبحوا يفضّلون الانفعالات والدراما على الجمال المحض. ولوحات فيرونيزي، على الرغم من جمال ألوانها وتفاصيلها، ليس فيها تلك الدراما المثيرة ولا التعبيرات اللافتة.
في الرسم، أكثر من أيّ شيء آخر، كان فيرونيزي يعرف كيف يمجّد رعاته بإظهار ثرواتهم ومكانتهم ومعرفتهم الواسعة.
وبحسب بعض النقّاد، فإن مذهب المتعة الذي كان يؤمن به الرسّام ورعاته قد يكون السبب في أن الناس في العصر الحديث ينظرون إليه على انه رسّام متصنّع مهتمّ برسم الأماكن الفخمة والحشود الكثيرة أكثر من اهتمامه بالتقاط جوهر ومضمون وروح المشاهد التاريخية التي كان يرسمها.
لكن قد يكون عذره انه درس النحت في بداياته، والنحت يعتمد على الحركات والإيماءات والإشارات. وظلّت تجربته وخبرته تلك في النحت أساسا لأسلوبه في رسم الصور الذي يُفترض انه يعتمد على التعبيرات والمشاعر والانفعالات.