الفـلاسفـة الثـلاثـة
للفنان الإيطالي جـورجيـونـي، 1509
للفنان الإيطالي جـورجيـونـي، 1509
تجاوز جورجيوني فنّ عصر النهضة بابتكارين مهمّين: الأوّل انه أوّل من تبنّى في وقت مبكّر التقنية الجديدة في الرسم على القماش بدلا من لوحة الخشب. والثاني انه كان من أوائل الرسّامين الذين أتقنوا استخدام الألوان الزيتية. كما أن جورجيوني لم يكن يضع رسومات تحضيرية على الورق قبل الرسم، وبذا كسر تقليدا فنّيا قديما في فلورنسا كان قد أرساه قبله كلّ من ليوناردو ومايكل انجيلو.
لوحات جورجيوني، على الرغم من قلّة عددها "عشر لوحات تحديدا"، تتّسم بغموضها وبأجوائها الرعوية الملغزة. وهذه اللوحة ليست استثناءً. ولهذا السبب، وربّما لأسباب أخرى غيره، اعتُبرت اللوحة من بين أكثر الأعمال الفنّية شهرة في فينيسيا خلال عصر النهضة.
ويقال إن السبب في غموض معناها هو أن الفنّان رسمها بناءً على طلب خاصّ من راعيه الحصري، وهو نبيل فينيسي يُدعى تاديو كونتاريني كانت له اهتمامات بالخيمياء وبكلّ ما هو غامض. ولم يكن موضوع اللوحة معروفا سوى للراعي ولأصدقائه المقرّبين وللرسّام فقط.
يصوّر جورجيوني في اللوحة ثلاثة فلاسفة في منظر طبيعي. وهويّة هؤلاء الفلاسفة ما تزال مثار جدل بين مؤرّخي الفن. بعضهم يقول إنهم فيثاغوراس واثنان من معلّميه وأن اللوحة نفسها ترمز إلى تطوّر الفلسفة.
لكن في زمن جورجيوني كانت كلمة "فيلسوف" تعني الفلكي أو المنجّم، ما حدا بالبعض إلى الاعتقاد بأن الرجال الثلاثة الظاهرين في اللوحة هم من المجوس الأتقياء الذين ذهبوا إلى بيت المقدس مبشّرين بولادة المسيح.
وقيل إن اللوحة تمثّل ثلاث مراحل من الفكر الإنساني: عصر النهضة ويمثّله الشابّ، وعصر التوسّع الإسلامي ويمثّله الرجل الذي يرتدي عمامة، والعصور الوسطى ويمثّلها الرجل العجوز.
وهناك من قال إن الرجل المعمّم هو ابن رشد، الفيلسوف المسلم من القرن الثاني عشر والذي عاش في اسبانيا وكان فقيها وطبيبا أيضا. ولو صحّت هذه الفرضية فإن هذا يساعد على إلقاء الضوء على صورة الفلسفة الإسلامية ودور الإسلام في مفاهيم أواخر العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة الأوروبية.
غير أن هناك نظريات أخرى تشرح معنى اللوحة. إحداها تذهب إلى أن الرجال الثلاثة يمكن أن يمثّلوا الأعمار الثلاثة للإنسان. كما راجت نظرية أخرى تقول إن الرجال الثلاثة يمثّلون ثلاث حركات فلسفية: الرجل الكهل ويمثّل الفكر القديم، والرجل الذي يرتدي عمامة ويمثّل الفلسفة العربية، والشابّ الجالس ويمثّل العلم الحديث.
بعض مؤرّخي الفنّ حاولوا تحديد هويّة الأشخاص الثلاثة اعتمادا على طبيعة لباسهم غير العاديّ، وتوصّلوا إلى أن الأوّل إلى اليمين، أي العجوز الذي يرتدي ثيابا صفراء ويمسك بورقة أو كتاب عليه ما يشبه الرموز الفلكية، لا بدّ وأن يكون يونانيّا أو مسيحيّا. ومن وجهة نظرهم، يُرجّح أنه تاليس.
أما الثاني فيُعتقد انه مسلم بسبب العمامة والزيّ الشرقيّ الذي يرتديه، وأغلب الظنّ انه ابن رشد.
أما الثالث، أي الشابّ الجالس على الأرض معطيا ظهره للاثنين، فيُعتقد انه فيثاغوراس تلميذ تاليس. فيثاغوراس يبدو معجبا بأشعّة الشمس على الرغم من أن الصخرة التي أمامه مسجّاة في الظلام والشمس تشرق من مكان آخر. وهو يظهر ممسكا بمربّع وبوصلة ويبدو كما لو أنه يحاول قياس الكهف الذي أمامه. وقد يكون لهذا علاقة بكهف أفلاطون الرمزيّ الذي يرى بأن البشر أشبه بمن يسكنون كهفا ولا يرون فيه سوى الظلال التي يظنّون أنها الواقع.
المشهد في اللوحة يحدث في العصور الكلاسيكية القديمة، وبالتحديد على تلّة بالقرب من ميليتوس في بلاد اليونان. ومن الواضح أن جورجيوني أراد من خلال هذا العمل أن يحتفل بالانجازات والإسهامات الفكرية للديانة الوثنية الكلاسيكية، فضلا عن تلك التي للإسلام.
من أهم سمات هذه اللوحة أن الرسّام قدّم المزاج واللون بشكل نحتيّ. وهناك أيضا النمذجة الرائعة للعباءات. كما أن استخدام تقنية المزج التدريجي للألوان يذكّرنا بلقاء جورجيوني وليوناردو في العام 1500م. وكما هو الحال مع كلّ أعمال الرسّام الأخرى، فإن اللون والضوء والمزاج في هذه اللوحة فيها ابتكار وتكثيف مع إيحاء بالمجهول.
كانت أعمال جورجيوني تترك انطباعا على المتلقّين عبر القرون. صوره الحزينة والحالمة تشبه الشعر المرسوم. وقد فتنت معاصريه وكان لها تأثير مباشر على الفنّ في فينيسيا على مدى أجيال. ومن بين من فُتن بلوحاته الشاعر الانجليزيّ اللورد بايرون الذي أشار إلى جورجيوني وإلى فنّه في شعره.
جورجيوني "الذي يعني اسمه جورج الكبير أو الطويل" كان شخصا غامضا مثل فنّه. قيل إنه كان مشهورا بوسامته. كما كان مولعا بالشعر وبالموسيقى. وقد ولد في فينيتو بإيطاليا، وانتقل لاحقا إلى فينيسيا، حيث عمل مع جيوفاني بيلليني، وكان له تأثير كبير على تيشيان.
كان جورجيوني مؤمنا بالأفكار الانسانوية والفردانية. وهذه الأفكار واضحة في هذه اللوحة. فهو يركّز على الإنسان بدلا من المعمار أو الطبيعة. وكلّ واحد من الأشخاص الثلاثة يُظهر فردانيّته وتميّزه في الشخصية وفي اللباس. ومن المعروف أن الفردانية تأخذ الإنسان خطوة ابعد بالقول إن البشر المتفرّدين، أي المختلفين في ثقافاتهم ومعتقداتهم، قادرون على تحقيق الإنجازات العظيمة.
انتهى جورجيوني من رسم هذه اللوحة قبل عام واحد من وفاته. وهي اليوم من مقتنيات متحف تاريخ الفنّ في فيينا. وقد توفّي الفنّان وهو في سنّ مبكّرة وعمره لا يتجاوز الثالثة والثلاثين بعد أن انتقل إليه مرض الطاعون من عشيقته.
لوحات جورجيوني، على الرغم من قلّة عددها "عشر لوحات تحديدا"، تتّسم بغموضها وبأجوائها الرعوية الملغزة. وهذه اللوحة ليست استثناءً. ولهذا السبب، وربّما لأسباب أخرى غيره، اعتُبرت اللوحة من بين أكثر الأعمال الفنّية شهرة في فينيسيا خلال عصر النهضة.
ويقال إن السبب في غموض معناها هو أن الفنّان رسمها بناءً على طلب خاصّ من راعيه الحصري، وهو نبيل فينيسي يُدعى تاديو كونتاريني كانت له اهتمامات بالخيمياء وبكلّ ما هو غامض. ولم يكن موضوع اللوحة معروفا سوى للراعي ولأصدقائه المقرّبين وللرسّام فقط.
يصوّر جورجيوني في اللوحة ثلاثة فلاسفة في منظر طبيعي. وهويّة هؤلاء الفلاسفة ما تزال مثار جدل بين مؤرّخي الفن. بعضهم يقول إنهم فيثاغوراس واثنان من معلّميه وأن اللوحة نفسها ترمز إلى تطوّر الفلسفة.
لكن في زمن جورجيوني كانت كلمة "فيلسوف" تعني الفلكي أو المنجّم، ما حدا بالبعض إلى الاعتقاد بأن الرجال الثلاثة الظاهرين في اللوحة هم من المجوس الأتقياء الذين ذهبوا إلى بيت المقدس مبشّرين بولادة المسيح.
وقيل إن اللوحة تمثّل ثلاث مراحل من الفكر الإنساني: عصر النهضة ويمثّله الشابّ، وعصر التوسّع الإسلامي ويمثّله الرجل الذي يرتدي عمامة، والعصور الوسطى ويمثّلها الرجل العجوز.
وهناك من قال إن الرجل المعمّم هو ابن رشد، الفيلسوف المسلم من القرن الثاني عشر والذي عاش في اسبانيا وكان فقيها وطبيبا أيضا. ولو صحّت هذه الفرضية فإن هذا يساعد على إلقاء الضوء على صورة الفلسفة الإسلامية ودور الإسلام في مفاهيم أواخر العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة الأوروبية.
غير أن هناك نظريات أخرى تشرح معنى اللوحة. إحداها تذهب إلى أن الرجال الثلاثة يمكن أن يمثّلوا الأعمار الثلاثة للإنسان. كما راجت نظرية أخرى تقول إن الرجال الثلاثة يمثّلون ثلاث حركات فلسفية: الرجل الكهل ويمثّل الفكر القديم، والرجل الذي يرتدي عمامة ويمثّل الفلسفة العربية، والشابّ الجالس ويمثّل العلم الحديث.
بعض مؤرّخي الفنّ حاولوا تحديد هويّة الأشخاص الثلاثة اعتمادا على طبيعة لباسهم غير العاديّ، وتوصّلوا إلى أن الأوّل إلى اليمين، أي العجوز الذي يرتدي ثيابا صفراء ويمسك بورقة أو كتاب عليه ما يشبه الرموز الفلكية، لا بدّ وأن يكون يونانيّا أو مسيحيّا. ومن وجهة نظرهم، يُرجّح أنه تاليس.
أما الثاني فيُعتقد انه مسلم بسبب العمامة والزيّ الشرقيّ الذي يرتديه، وأغلب الظنّ انه ابن رشد.
أما الثالث، أي الشابّ الجالس على الأرض معطيا ظهره للاثنين، فيُعتقد انه فيثاغوراس تلميذ تاليس. فيثاغوراس يبدو معجبا بأشعّة الشمس على الرغم من أن الصخرة التي أمامه مسجّاة في الظلام والشمس تشرق من مكان آخر. وهو يظهر ممسكا بمربّع وبوصلة ويبدو كما لو أنه يحاول قياس الكهف الذي أمامه. وقد يكون لهذا علاقة بكهف أفلاطون الرمزيّ الذي يرى بأن البشر أشبه بمن يسكنون كهفا ولا يرون فيه سوى الظلال التي يظنّون أنها الواقع.
المشهد في اللوحة يحدث في العصور الكلاسيكية القديمة، وبالتحديد على تلّة بالقرب من ميليتوس في بلاد اليونان. ومن الواضح أن جورجيوني أراد من خلال هذا العمل أن يحتفل بالانجازات والإسهامات الفكرية للديانة الوثنية الكلاسيكية، فضلا عن تلك التي للإسلام.
من أهم سمات هذه اللوحة أن الرسّام قدّم المزاج واللون بشكل نحتيّ. وهناك أيضا النمذجة الرائعة للعباءات. كما أن استخدام تقنية المزج التدريجي للألوان يذكّرنا بلقاء جورجيوني وليوناردو في العام 1500م. وكما هو الحال مع كلّ أعمال الرسّام الأخرى، فإن اللون والضوء والمزاج في هذه اللوحة فيها ابتكار وتكثيف مع إيحاء بالمجهول.
كانت أعمال جورجيوني تترك انطباعا على المتلقّين عبر القرون. صوره الحزينة والحالمة تشبه الشعر المرسوم. وقد فتنت معاصريه وكان لها تأثير مباشر على الفنّ في فينيسيا على مدى أجيال. ومن بين من فُتن بلوحاته الشاعر الانجليزيّ اللورد بايرون الذي أشار إلى جورجيوني وإلى فنّه في شعره.
جورجيوني "الذي يعني اسمه جورج الكبير أو الطويل" كان شخصا غامضا مثل فنّه. قيل إنه كان مشهورا بوسامته. كما كان مولعا بالشعر وبالموسيقى. وقد ولد في فينيتو بإيطاليا، وانتقل لاحقا إلى فينيسيا، حيث عمل مع جيوفاني بيلليني، وكان له تأثير كبير على تيشيان.
كان جورجيوني مؤمنا بالأفكار الانسانوية والفردانية. وهذه الأفكار واضحة في هذه اللوحة. فهو يركّز على الإنسان بدلا من المعمار أو الطبيعة. وكلّ واحد من الأشخاص الثلاثة يُظهر فردانيّته وتميّزه في الشخصية وفي اللباس. ومن المعروف أن الفردانية تأخذ الإنسان خطوة ابعد بالقول إن البشر المتفرّدين، أي المختلفين في ثقافاتهم ومعتقداتهم، قادرون على تحقيق الإنجازات العظيمة.
انتهى جورجيوني من رسم هذه اللوحة قبل عام واحد من وفاته. وهي اليوم من مقتنيات متحف تاريخ الفنّ في فيينا. وقد توفّي الفنّان وهو في سنّ مبكّرة وعمره لا يتجاوز الثالثة والثلاثين بعد أن انتقل إليه مرض الطاعون من عشيقته.