فينـوس أمـام المـرآة
للفنان الإسباني دييـغـو فـيلاســكيــز، 1651
للفنان الإسباني دييـغـو فـيلاســكيــز، 1651
كانت فينوس، إلهة الحبّ في الأساطير القديمة، موضوعا نادرا في الرسم في اسبانيا القرن السابع عشر، لأنه لم يكن يحظى بموافقة الكنيسة الكاثوليكية. كانت الكنيسة راعيا أساسيّا للفنون في ذلك الوقت. وكان تصوير العري أمرا محفوفا بالمخاطر. محاكم التفتيش بدورها كان لها عيون مبثوثة في كلّ مكان. وأيّ شخص يُضبط متلبّسا برسم لوحة "فاسدة"، كان يُستدعى ويُغرّم ويُطرد من الكنيسة ويُنفى خارج مدينته أو بلدته لمدّة عام.
وقد انتهى الأمر بالعديد من اللوحات العارية إلى إتلافها ومعاقبة رسّاميها من قبل تلك المحاكم.
الرجل الذي كلّف فيلاسكيز برسم هذه اللوحة كان نبيلا اسبانيّا يُُدعى الماركيز ديل كاربيو. وقيل انه أراد بطلبه هذا أن يتحدّى تعليمات الكنيسة. وربّما كانت حظوته لدى العرش الاسبانيّ هي التي مكّنته من طلب رسمها دون خوف من أن يتعرّض لأذى محاكم التفتيش. وهناك من يرجّح أن اللوحة وُضعت في مرحلة لاحقة في مكان خاصّ وبعيد عن الأعين في محاولة لتجنّب غضب تلك المحاكم رغم أن الفنّان رسم المرأة من الخلف، ربّما توخّياً للسلامة.
فيلاسكيز يصوّر هنا امرأة عارية مستلقية على فراش من الحرير الرمادي وظهرها للناظر، بينما يظهر وجهها في المرآة التي يمسك بها كيوبيد. الموديل في اللوحة يُعتقد أنها ممثّلة مسرحية كانت من بين خليلات الملك الاسباني فيليب الرابع.
من أهمّ السمات التي يمكن ملاحظتها في هذا العمل الاقتصاد الواضح في استخدام الألوان وغلبة اللون الأحمر الشفّاف. ثم هناك كيوبيد الذي يبدو على غير العادة بلا سهم. وهو لا يفعل شيئا، بل يكتفي بالإمساك بالمرآة وتأمّل جمال الإلهة. وقد استخدم الرسّام طبقات من الطلاء الأبيض الرصاصيّ لإضفاء لمعان على بشرة المرأة ثمّ أضاف إليها ظلالا ناعمة من الأصفر والبنّي والأحمر.
خلافا لمعاصريه من الرسّامين الايطاليين والهولنديين، لم يضمّن فيلاسكيز اللوحة منظرا طبيعيا أو خادمة، واكتفى فقط بالملاك المجنّح الصغير، وهو – أي الملاك - الدليل الوحيد على أن الفنّان كان يرسم شخصية أسطورية أو إلهة وليست امرأة حقيقية.
فينوس في اللوحة، بخصرها الصغير ومؤخّرتها الناتئة قليلا، لا تشبه العاريات الايطاليات الأكثر امتلاءً واستدارة اللاتي كنّ يُستلهمن من التماثيل الرومانية القديمة.
الصورة التي تظهر منعكسة في المرآة تتحدّى قوانين البصريات. يقال مثلا انه ليس بوسع المرأة أن ترى وجهها بهذه الوضعية، وإنّما بطنها وصدرها أو وجه الناظر أو الرسّام، وبالتالي قد يكون بذهنها أن تقيس مدى تأثير جمالها على من ينظر إليها. وقيل أيضا إن وجهها في المرآة يبدو أكبر ممّا ينبغي مرّتين.
ومن الملاحظ أيضا أن الصورة في المرآة لا تكشف عن الجانب الآخر من وجه فينوس، بل تسمح فقط برؤية انعكاس غامض ومشوّش لملامح وجهها. وبالتالي، قد يكون المعنى الكامن في اللوحة هو التأكيد على الجمال الذي تختزنه الذات، وليس عرض صورة عارية لفينوس أو لأيّة امرأة أخرى. كما قد نكون إزاء صورة مجازية عن الحبّ وعن الغموض الذي يجذبنا إليه.
في احد أيّام شهر مارس من عام 1914، تعرّضت هذه اللوحة للتلف على يد امرأة كندية تُدعى ميري ريتشاردسون. كانت المرأة في زيارة للناشيونال غاليري بلندن حيث توجد اللوحة. وعندما وصلت إلى مكانها، توقّفت أمامها لبضع دقائق وهي تتأمّلها. ثم قامت فجأة بتحطيم الزجاج الواقي الذي يحميها واخترقتها بساطور. وقد ترك الهجوم بعض التلفيات والقطوع في اللوحة. لكن أمكن إصلاحها بعد ذلك.
كانت ريتشاردسون عضوا في جماعة متشدّدة تنادي بمنح المرأة حقّ الاقتراع. وقد سبق لها أن قامت بتنفيذ عدد من الأعمال الإرهابية، بما فيها تحطيم منازل وإشعال حرائق وتفجير محطّة للسكك الحديدية.
تشويه فينوس كان جزءا من حملة تمّ تنظيمها في نفس ذلك العام واستهدفت عددا من أعمال الفنّ تحت ذريعة مساواة النساء بالرجال. وفي ما بعد، قالت المرأة إن دافعها من وراء الهجوم هو أنها كانت ترى أن المجتمع والغاليري كانا يُحكمان من قبل سلطة ذكورية وطاغية.
الغريب في الأمر أن ريتشاردسون كانت طالبة في كلّية الفنون. وبعد مرور أربعين عاما على تلك الحادثة، شرحت سبب إقدامها على محاولة إتلاف اللوحة بقولها إنها لم تحبّ الطريقة التي كان الزوّار من الرجال ينظرون بها إلى المرأة، إذ كانوا يتأمّلونها طوال اليوم بعيون زائغة وأفواه فاغرة.
كان فيلاسكيز معلّما كبيرا في تمثيل نسيج الأسطح وكانت له فرشاة وصفية شفّافة. ومن الواضح انه كان يفكّر كثيرا قبل الرسم. اللمسات التلقائية والمظهر المحكم في جميع لوحاته دليل على التأنّي والتفكير والممارسة الطويلة.
وفي الفترة التي رسم أثناءها هذه اللوحة، كان نتاجه قد قلّ بشكل ملحوظ. وربّما كان لذلك علاقة بالأوضاع المتوتّرة في البلاط، إذ كانت الملكة ايزابيلا قد توفّيت، وبعدها بعامين لحقها وريث العرش الشابّ بلتاسار كارلوس، ثم لم يلبث الفرنسيون أن ألحقوا هزيمة قاسية بالجيش الاسباني.
طبقا لإحصائيات بعض دور النشر، تُعتبر هذه أكثر لوحة فنّية تمّ توظيفها في الكتب والروايات. ومن بين الكتب المعروفة التي ظهرت اللوحة على أغلفتها ملوك وذوّاقة لجوناثان براون وتزوير فينوس لمايكل غروبر والأنثى العارية لليندا نيد بالإضافة إلى رواية في مديح النساء المسنّات للكاتب الهنغاري ستيفن فيزينسي وكتاب لفريدريك دي أرماس يتحدّث فيه عن العصر الذهبيّ للفنّ الاسباني.
يقال إن فيلاسكيز رسم أربع لوحات عارية على امتداد فترة اشتغاله بالرسم، وهذه هي اللوحة العارية الوحيدة الباقية من أعماله. والعديد من النقّاد يعتبرونها، مع فينوس اوربينو لـ تيشيان، أكثر صور فينوس جمالا في تاريخ الرسم الأوربّي.
الجدير بالذكر أن للوحة "فينوس أمام المرآة" أسماء عديدة أخرى عُرفت بها، منها "فينوس وكيوبيد" و"حمّام فينوس". وبعد أن نُقلت اللوحة إلى انجلترا عام 1813، أصبحت تُعرف بـ "فينوس روكبي" بالنظر إلى أنها كانت جزءا من مجموعة جون موريت في قاعة روكبي بلندن. وبعد مائة عام تقريبا، أي في 1906، اشتراها الناشيونال غاليري حيث ظلّت فيه إلى اليوم.
الرجل الذي كلّف فيلاسكيز برسم هذه اللوحة كان نبيلا اسبانيّا يُُدعى الماركيز ديل كاربيو. وقيل انه أراد بطلبه هذا أن يتحدّى تعليمات الكنيسة. وربّما كانت حظوته لدى العرش الاسبانيّ هي التي مكّنته من طلب رسمها دون خوف من أن يتعرّض لأذى محاكم التفتيش. وهناك من يرجّح أن اللوحة وُضعت في مرحلة لاحقة في مكان خاصّ وبعيد عن الأعين في محاولة لتجنّب غضب تلك المحاكم رغم أن الفنّان رسم المرأة من الخلف، ربّما توخّياً للسلامة.
فيلاسكيز يصوّر هنا امرأة عارية مستلقية على فراش من الحرير الرمادي وظهرها للناظر، بينما يظهر وجهها في المرآة التي يمسك بها كيوبيد. الموديل في اللوحة يُعتقد أنها ممثّلة مسرحية كانت من بين خليلات الملك الاسباني فيليب الرابع.
من أهمّ السمات التي يمكن ملاحظتها في هذا العمل الاقتصاد الواضح في استخدام الألوان وغلبة اللون الأحمر الشفّاف. ثم هناك كيوبيد الذي يبدو على غير العادة بلا سهم. وهو لا يفعل شيئا، بل يكتفي بالإمساك بالمرآة وتأمّل جمال الإلهة. وقد استخدم الرسّام طبقات من الطلاء الأبيض الرصاصيّ لإضفاء لمعان على بشرة المرأة ثمّ أضاف إليها ظلالا ناعمة من الأصفر والبنّي والأحمر.
خلافا لمعاصريه من الرسّامين الايطاليين والهولنديين، لم يضمّن فيلاسكيز اللوحة منظرا طبيعيا أو خادمة، واكتفى فقط بالملاك المجنّح الصغير، وهو – أي الملاك - الدليل الوحيد على أن الفنّان كان يرسم شخصية أسطورية أو إلهة وليست امرأة حقيقية.
فينوس في اللوحة، بخصرها الصغير ومؤخّرتها الناتئة قليلا، لا تشبه العاريات الايطاليات الأكثر امتلاءً واستدارة اللاتي كنّ يُستلهمن من التماثيل الرومانية القديمة.
الصورة التي تظهر منعكسة في المرآة تتحدّى قوانين البصريات. يقال مثلا انه ليس بوسع المرأة أن ترى وجهها بهذه الوضعية، وإنّما بطنها وصدرها أو وجه الناظر أو الرسّام، وبالتالي قد يكون بذهنها أن تقيس مدى تأثير جمالها على من ينظر إليها. وقيل أيضا إن وجهها في المرآة يبدو أكبر ممّا ينبغي مرّتين.
ومن الملاحظ أيضا أن الصورة في المرآة لا تكشف عن الجانب الآخر من وجه فينوس، بل تسمح فقط برؤية انعكاس غامض ومشوّش لملامح وجهها. وبالتالي، قد يكون المعنى الكامن في اللوحة هو التأكيد على الجمال الذي تختزنه الذات، وليس عرض صورة عارية لفينوس أو لأيّة امرأة أخرى. كما قد نكون إزاء صورة مجازية عن الحبّ وعن الغموض الذي يجذبنا إليه.
في احد أيّام شهر مارس من عام 1914، تعرّضت هذه اللوحة للتلف على يد امرأة كندية تُدعى ميري ريتشاردسون. كانت المرأة في زيارة للناشيونال غاليري بلندن حيث توجد اللوحة. وعندما وصلت إلى مكانها، توقّفت أمامها لبضع دقائق وهي تتأمّلها. ثم قامت فجأة بتحطيم الزجاج الواقي الذي يحميها واخترقتها بساطور. وقد ترك الهجوم بعض التلفيات والقطوع في اللوحة. لكن أمكن إصلاحها بعد ذلك.
كانت ريتشاردسون عضوا في جماعة متشدّدة تنادي بمنح المرأة حقّ الاقتراع. وقد سبق لها أن قامت بتنفيذ عدد من الأعمال الإرهابية، بما فيها تحطيم منازل وإشعال حرائق وتفجير محطّة للسكك الحديدية.
تشويه فينوس كان جزءا من حملة تمّ تنظيمها في نفس ذلك العام واستهدفت عددا من أعمال الفنّ تحت ذريعة مساواة النساء بالرجال. وفي ما بعد، قالت المرأة إن دافعها من وراء الهجوم هو أنها كانت ترى أن المجتمع والغاليري كانا يُحكمان من قبل سلطة ذكورية وطاغية.
الغريب في الأمر أن ريتشاردسون كانت طالبة في كلّية الفنون. وبعد مرور أربعين عاما على تلك الحادثة، شرحت سبب إقدامها على محاولة إتلاف اللوحة بقولها إنها لم تحبّ الطريقة التي كان الزوّار من الرجال ينظرون بها إلى المرأة، إذ كانوا يتأمّلونها طوال اليوم بعيون زائغة وأفواه فاغرة.
كان فيلاسكيز معلّما كبيرا في تمثيل نسيج الأسطح وكانت له فرشاة وصفية شفّافة. ومن الواضح انه كان يفكّر كثيرا قبل الرسم. اللمسات التلقائية والمظهر المحكم في جميع لوحاته دليل على التأنّي والتفكير والممارسة الطويلة.
وفي الفترة التي رسم أثناءها هذه اللوحة، كان نتاجه قد قلّ بشكل ملحوظ. وربّما كان لذلك علاقة بالأوضاع المتوتّرة في البلاط، إذ كانت الملكة ايزابيلا قد توفّيت، وبعدها بعامين لحقها وريث العرش الشابّ بلتاسار كارلوس، ثم لم يلبث الفرنسيون أن ألحقوا هزيمة قاسية بالجيش الاسباني.
طبقا لإحصائيات بعض دور النشر، تُعتبر هذه أكثر لوحة فنّية تمّ توظيفها في الكتب والروايات. ومن بين الكتب المعروفة التي ظهرت اللوحة على أغلفتها ملوك وذوّاقة لجوناثان براون وتزوير فينوس لمايكل غروبر والأنثى العارية لليندا نيد بالإضافة إلى رواية في مديح النساء المسنّات للكاتب الهنغاري ستيفن فيزينسي وكتاب لفريدريك دي أرماس يتحدّث فيه عن العصر الذهبيّ للفنّ الاسباني.
يقال إن فيلاسكيز رسم أربع لوحات عارية على امتداد فترة اشتغاله بالرسم، وهذه هي اللوحة العارية الوحيدة الباقية من أعماله. والعديد من النقّاد يعتبرونها، مع فينوس اوربينو لـ تيشيان، أكثر صور فينوس جمالا في تاريخ الرسم الأوربّي.
الجدير بالذكر أن للوحة "فينوس أمام المرآة" أسماء عديدة أخرى عُرفت بها، منها "فينوس وكيوبيد" و"حمّام فينوس". وبعد أن نُقلت اللوحة إلى انجلترا عام 1813، أصبحت تُعرف بـ "فينوس روكبي" بالنظر إلى أنها كانت جزءا من مجموعة جون موريت في قاعة روكبي بلندن. وبعد مائة عام تقريبا، أي في 1906، اشتراها الناشيونال غاليري حيث ظلّت فيه إلى اليوم.