حيـاة ساكنـة.. أقنعـة 3
للفنان الألماني إميـل نـولـدي، 1911
للفنان الألماني إميـل نـولـدي، 1911
خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، بدأت أهميّة الثقافات غير الغربية في الظهور، متجسّدة في الحركة الفنّية المعروفة بالبدائية. في ذلك الوقت كان الفنّانون قد تمكّنوا من التعرّف على الفنّ القديم من أفريقيا. وكانوا يحرصون على زيارة المتاحف كي يرسموا اسكتشات للقطع الأثرية القديمة للاستفادة من تأثيرها وتوظيفه في أعمالهم.
وبعض هؤلاء عمدوا إلى استخدام السخرية والتشاؤم والرعب كي يوسّعوا تعريف مفهوم الفنّ البدائي. وكانت الأقنعة احد العناصر المهمّة قي هذا النوع من الفنّ. وكانت تُستخدم في الاحتفالات للمبالغة في تصوير الملامح. وأشهر الأمثلة عن الأقنعة ظهرت في اليونان القديمة. ويبدو أن الإنسان ابتكرها مع غيرها من الأشياء البدائية لغرض ديني أو كأداة للسحر أو كوسيط بين الإنسان والقوى المجهولة المحيطة به كي يتغّلب على خوفه منها.
في هذه اللوحة، يرسم اميل نولدي، باستخدام ألوان زاهية وثقيلة، خمسة أقنعة مستمدّة من الفنّ البدائي. احد الأقنعة استوحاه من فينيسيا والآخر من جزر سليمان والثالث من البرازيل. القناع المقلوب على رأسه بلون احمر استلهمه من مهرجانات شمال أوروبّا. وكلّ الأقنعة، عدا الأوسط، ذات ملامح شيطانية وتثير إحساسا بالعدوانية والصدمة والخوف. القناع ذو اللون الأصفر يبدو مبتسما تقريبا وهو يحدّق في الناظر. وقد استخدم الرسّام فرشاة خشنة وألوانا سميكة ومكثّفة وساطعة لكي يعزّز فكرة البدائية ويعمّق تأثيرها الانفعالي.
كان نولدي يهتمّ بالخصائص الانفعالية للألوان وتبايناتها. وكان يرى أن كلّ لون يمسك بروح ومعنى ما ويعكس مزاجا معيّنا، سعيدا أو حزينا.
وقد ركّز في هذه اللوحة وفي غيرها من لوحات الأقنعة على الإزعاج السيكولوجي، خاصّة بعد أن رأى اقتراب نذر الحرب العالمية الوشيكة. غير أن هناك من النقّاد من لاحظ أن أقنعته لا تتضمّن أيّة تعليقات اجتماعية أو سخرية من الناس، إذ لم يكن الرسّام مهتمّا كثيرا بتصوير معاناة أو قسوة الإنسان.
لكن ممّا لا شكّ فيه أن نزوع نولدي لرَسْم الأقنعة كان انعكاسا لاهتمامه بالثقافات الأصلية وطقوسها وتعاطفه مع الثقافات غير الأوربّية بشكل عام. وقد درس أقنعة ثقافات مختلفة. وكان يقول انه لا بدّ من رسم أقنعة بتعبيرات شتّى. لكنه في هذه اللوحة اكتفى برسم تعبيرات متجهّمة. والأقنعة كلّها تقريبا تبدو شرّيرة وكما لو أن عيونها المجوّفة تفتقر إلى الشخصية والى الارتباط الإنساني، أضف إلى ذلك أن الشفاه والعيون في بعضها ملطّخة بالأحمر الذي قد يكون رمزا للعدوانية والدم.
الأقنعة يمكن أن تقود إلى إعادة تعريف الذات والمظهر والكشف عن الطبيعة الإنسانية ومعنى الموت. والرسّامون الذين يميلون إلى رسمها يريدون أيضا أن يقولوا للمتلقّي انه برغم الأقنعة التي نظنّ أننا نختفي وراءها، إلا أنها في الحقيقة تكشف المزيد عن أنفسنا.
وبعض الفنّانين، ومنهم بيكاسو، أعطوا وجها "أو بالأحرى قناعا" للسلوكيات المخيفة والنواحي السلبية في الطبيعة الإنسانية كالطمع والغضب والشهوة وحبّ السلطة وما إلى ذلك. أي أن القناع يعمل على حجب القبح، وتلك إحدى غاياته الأساسية.
بيكاسو اخذ فكرة نولدي عن الأقنعة خطوة ابعد عندما رسم لوحته المشهورة آنسات افينيون. وفي هذه اللوحة المرسومة بأسلوب هو مزيج من التجريدية والتكعيبية، تظهر خمس نساء بملامح بدائية وأقنعة منفّرة.
ولد اميل نولدي، واسمه الأصليّ اميل هانسن، في بلدة نولدي على الحدود الألمانية الدانمركية في أغسطس من عام 1867 لأبوين مزارعين. وفيما بعد اختار اسم البلدة اسما لعائلته. وقد درس الرسم في برلين ثم أصبح عضوا في جماعة فنّية تُدعى "الجسر". وكان من بين من تأثّر بهم من الرسّامين كلّ من فان غوخ وادفارد مونك وجيمس انسور.
في بدايات حياته، زار نولدي نيو غينيا ومكث فيها عامين. وكان لتلك التجربة اثر كبير في انه أصبح يفضّل مواصفات وسمات الفنّ القبلي والبدائي، مثل تشويه الشكل والأنماط الجزئية والألوان المتباينة بقوّة.
وأعماله بعد زيارته تلك كانت عبارة عن تأمّلات عن الناس الذين يعيشون في تناغم مع الطبيعة. وقد درس الأقنعة في متحف برلين للأجناس البشرية. وهو كان ضدّ عرض القطع الأثرية البدائية في المتاحف كأمثلة انثروبولوجية، وإنما كفنّ له أصالته وقدرته القويّة على إثارة الانفعالات. في تلك الفترة، ظهر لأوّل مرّة المفهوم المثاليّ عن الهمجيّ النبيل ، أي الإنسان البدائيّ الذي لم تلوّثه الحضارة والذي يرمز إلى الخيرية التي فُطر عليها الإنسان.
ونولدي في بدائيّته يشبه إلى حدّ ما غوغان وبيكاسو. غير أن شهرته كرسّام تعبيري تضاءلت أمام تلك التي لزميله النرويجي ادفارد مونك، مع انه كان يعتبر التعبيرية أسلوبا ألمانيا خالصا.
في بواكير شبابه، كان نولدي مؤيّدا للحزب النازي. وقد عبّر عن آراء سلبية في زملائه من الفنّانين اليهود. لكن في أواخر حياته، تعرّض لقمع السلطات النازية كما مُنع من الرسم عام 1941م باعتباره فنّانا منحلا. لكنه مع ذلك رسم لوحات كثيرة حرص على إخفائها عن الأعين. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية، أعيد للرسّام الاعتبار ومنح وسام الاستحقاق الألماني.
وبعض هؤلاء عمدوا إلى استخدام السخرية والتشاؤم والرعب كي يوسّعوا تعريف مفهوم الفنّ البدائي. وكانت الأقنعة احد العناصر المهمّة قي هذا النوع من الفنّ. وكانت تُستخدم في الاحتفالات للمبالغة في تصوير الملامح. وأشهر الأمثلة عن الأقنعة ظهرت في اليونان القديمة. ويبدو أن الإنسان ابتكرها مع غيرها من الأشياء البدائية لغرض ديني أو كأداة للسحر أو كوسيط بين الإنسان والقوى المجهولة المحيطة به كي يتغّلب على خوفه منها.
في هذه اللوحة، يرسم اميل نولدي، باستخدام ألوان زاهية وثقيلة، خمسة أقنعة مستمدّة من الفنّ البدائي. احد الأقنعة استوحاه من فينيسيا والآخر من جزر سليمان والثالث من البرازيل. القناع المقلوب على رأسه بلون احمر استلهمه من مهرجانات شمال أوروبّا. وكلّ الأقنعة، عدا الأوسط، ذات ملامح شيطانية وتثير إحساسا بالعدوانية والصدمة والخوف. القناع ذو اللون الأصفر يبدو مبتسما تقريبا وهو يحدّق في الناظر. وقد استخدم الرسّام فرشاة خشنة وألوانا سميكة ومكثّفة وساطعة لكي يعزّز فكرة البدائية ويعمّق تأثيرها الانفعالي.
كان نولدي يهتمّ بالخصائص الانفعالية للألوان وتبايناتها. وكان يرى أن كلّ لون يمسك بروح ومعنى ما ويعكس مزاجا معيّنا، سعيدا أو حزينا.
وقد ركّز في هذه اللوحة وفي غيرها من لوحات الأقنعة على الإزعاج السيكولوجي، خاصّة بعد أن رأى اقتراب نذر الحرب العالمية الوشيكة. غير أن هناك من النقّاد من لاحظ أن أقنعته لا تتضمّن أيّة تعليقات اجتماعية أو سخرية من الناس، إذ لم يكن الرسّام مهتمّا كثيرا بتصوير معاناة أو قسوة الإنسان.
لكن ممّا لا شكّ فيه أن نزوع نولدي لرَسْم الأقنعة كان انعكاسا لاهتمامه بالثقافات الأصلية وطقوسها وتعاطفه مع الثقافات غير الأوربّية بشكل عام. وقد درس أقنعة ثقافات مختلفة. وكان يقول انه لا بدّ من رسم أقنعة بتعبيرات شتّى. لكنه في هذه اللوحة اكتفى برسم تعبيرات متجهّمة. والأقنعة كلّها تقريبا تبدو شرّيرة وكما لو أن عيونها المجوّفة تفتقر إلى الشخصية والى الارتباط الإنساني، أضف إلى ذلك أن الشفاه والعيون في بعضها ملطّخة بالأحمر الذي قد يكون رمزا للعدوانية والدم.
الأقنعة يمكن أن تقود إلى إعادة تعريف الذات والمظهر والكشف عن الطبيعة الإنسانية ومعنى الموت. والرسّامون الذين يميلون إلى رسمها يريدون أيضا أن يقولوا للمتلقّي انه برغم الأقنعة التي نظنّ أننا نختفي وراءها، إلا أنها في الحقيقة تكشف المزيد عن أنفسنا.
وبعض الفنّانين، ومنهم بيكاسو، أعطوا وجها "أو بالأحرى قناعا" للسلوكيات المخيفة والنواحي السلبية في الطبيعة الإنسانية كالطمع والغضب والشهوة وحبّ السلطة وما إلى ذلك. أي أن القناع يعمل على حجب القبح، وتلك إحدى غاياته الأساسية.
بيكاسو اخذ فكرة نولدي عن الأقنعة خطوة ابعد عندما رسم لوحته المشهورة آنسات افينيون. وفي هذه اللوحة المرسومة بأسلوب هو مزيج من التجريدية والتكعيبية، تظهر خمس نساء بملامح بدائية وأقنعة منفّرة.
ولد اميل نولدي، واسمه الأصليّ اميل هانسن، في بلدة نولدي على الحدود الألمانية الدانمركية في أغسطس من عام 1867 لأبوين مزارعين. وفيما بعد اختار اسم البلدة اسما لعائلته. وقد درس الرسم في برلين ثم أصبح عضوا في جماعة فنّية تُدعى "الجسر". وكان من بين من تأثّر بهم من الرسّامين كلّ من فان غوخ وادفارد مونك وجيمس انسور.
في بدايات حياته، زار نولدي نيو غينيا ومكث فيها عامين. وكان لتلك التجربة اثر كبير في انه أصبح يفضّل مواصفات وسمات الفنّ القبلي والبدائي، مثل تشويه الشكل والأنماط الجزئية والألوان المتباينة بقوّة.
وأعماله بعد زيارته تلك كانت عبارة عن تأمّلات عن الناس الذين يعيشون في تناغم مع الطبيعة. وقد درس الأقنعة في متحف برلين للأجناس البشرية. وهو كان ضدّ عرض القطع الأثرية البدائية في المتاحف كأمثلة انثروبولوجية، وإنما كفنّ له أصالته وقدرته القويّة على إثارة الانفعالات. في تلك الفترة، ظهر لأوّل مرّة المفهوم المثاليّ عن الهمجيّ النبيل ، أي الإنسان البدائيّ الذي لم تلوّثه الحضارة والذي يرمز إلى الخيرية التي فُطر عليها الإنسان.
ونولدي في بدائيّته يشبه إلى حدّ ما غوغان وبيكاسو. غير أن شهرته كرسّام تعبيري تضاءلت أمام تلك التي لزميله النرويجي ادفارد مونك، مع انه كان يعتبر التعبيرية أسلوبا ألمانيا خالصا.
في بواكير شبابه، كان نولدي مؤيّدا للحزب النازي. وقد عبّر عن آراء سلبية في زملائه من الفنّانين اليهود. لكن في أواخر حياته، تعرّض لقمع السلطات النازية كما مُنع من الرسم عام 1941م باعتباره فنّانا منحلا. لكنه مع ذلك رسم لوحات كثيرة حرص على إخفائها عن الأعين. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وسقوط النازية، أعيد للرسّام الاعتبار ومنح وسام الاستحقاق الألماني.