نبـوخـذنصّـر
للفنان البريطاني وليـام بليـك، 1795
للفنان البريطاني وليـام بليـك، 1795
الصورة الشائعة عن نبوخذنصّر هي انه كان ملكا على بابل التي حكم امبراطوريّتها لأكثر من 50 عاما وبنى له فيها قصرا خُرافيا من الذهب والفضّة والأحجار الثمينة. كما انه صاحب الانجازات العسكرية الكبيرة، ومشيّد حدائق بابل المعلّقة التي تُعتبر إحدى عجائب الدنيا السبع، وباني بوّابة عشتار الشهيرة.
اسم نبوخذنصّر يرتبط أيضا بقصّة استيلائه على القدس حوالي العام 587 وتدمير معبدها الكبير ونفى الكثير من سكّانها اليهود إلى بابل في ما عُرف فيما بعد بالسبي البابلي.
غير أن الرسّام وليام بليك يصوّر في لوحته هذه القائد البابليّ بطريقة غريبة، اعتمادا على قصّة أسطورية وردت في سِفر دانيال. كان دانيال رجلا يهوديّا يعمل مستشارا لـ نبوخذنصّر. وقد اخبره الملك ذات يوم انه رأى حلما غامضا في المنام وطلب منه أن يفسّره له. فقال له دانيال مفسّرا الحلم أنه، أي الملك، سيعاقَب على غروره واعتداده المفرط بنفسه، وأن عقوبته ستنتهي بعد سبع سنوات عندما يُقرّ بوجود إله عظيم في السماء.
وتمضي القصّة فتقول إن هيئة نبوخذنصّر تغيّرت بعد ذلك تدريجيا إلى أن نزل إلى مستوى الحيوان، فأصبح يقتات على الأعشاب البرّية ونمت له مخالب تشبه تلك التي للطيور الجارحة ونبت له شعر مثل ريش النسر. وبعد سبع سنوات من تحوّله الغريب، نظر الملك إلى السماء واستغفر الله على ذنوبه، ثمّ لم يلبث أن عاد إلى هيئته الإنسانية الأولى.
رسم وليام بليك أربع نسخ من هذه اللوحة مع اختلافات بسيطة. وقد استخدم أولاها في كتاب ألّفه ووضع رسوماته بعنوان زواج الجنّة والنار.
في هذه اللوحة، نرى نبوخذنصّر الذي كان ملكا عظيما ومهاب الجانب وقد أصبح مخلوقا عاريا يزحف في البرّية على يديه وركبتيه كما تفعل الحيوانات الطريدة. شعره الذهبيّ يفيض على ظهره، ولحيته الطويلة تسحب في الأرض. فمه المشدوه وحاجباه الكثيفان وعيناه المحرقتان توصل شعورا باليأس والصدمة والرعب. جذع الشجرة الكبير خلفه ربّما يشير إلى الشجرة الكبيرة التي قال انه رآها في الحلم.
من الملاحظ أن بليك رسم الخلفية بخطوط فضفاضة، بينما اختار أن يرسم الجسد والعضلات بتفاصيل وخطوط واضحة. قوّة جسد نبوخذنصّر توحي بأن هذه لم تكن هيئته الأصلية وبأنه تحوّل من حال إلى حال. وفي حالته البهيمية هذه، فإن الملك ليس أكثر من وحش اُجبر على أن يعيش مثل بقيّة الحيوانات. عيناه المرعوبتان هما وحدهما ما يذكّر بهيئته الإنسانية الأصلية. يمكن أن تكون هذه لحظة العقل عندما يدرك الملك انه بشر وأن الله قادر على تغيير هيئته.
قصّة دانيال عن تحوّل نبوخذنصّر إلى حيوان يبدو أن الغرض منها تبيان قدرة الله، مع أن لا سند تاريخيّا يؤكّد القصّة. لكن كان هناك تقليد قديم يربط الفساد الأخلاقي وعصيان أوامر الربّ بالمظهر الحيواني.
التفسيرات المعاصرة لما حدث لـ نبوخذنصّر، على افتراض صحّة القصّة، عديدة ومتباينة. بعض علماء النفس، مثلا، يعزون جنون الملك إلى الشلل أو مرض الزهري أو إلى إصابته بالخرف الدماغي. لكن هناك تفسيرا رائجا بكثرة، ومفاده أن نبوخذنصّر ربّما كان يعاني من مرض عقلي اسمه انسينيا زونثروبيكا، وهو اختلال عقليّ يدفع المريض إلى الاعتقاد بأنه تحوّل إلى حيوان "ذئب غالبا"، ومن ثم يتصرّف كما تتصرّف الحيوانات.
كان وليام بليك يعتقد بأن الخيال، لا العقل، هو العنصر المهيمن على طبيعة الإنسان. ولوحته الحيوانية عن نبوخذنصّر تصوّر الجانب اللاعقلاني والذي لا يمكن التحكّم به في طبيعة البشر. ويقال انه أراد من وراء صورة الملك المجنون التعبير عن اعتراضه على أفكار نيوتن العقلانية.
ولو نظرنا إلى هذه اللوحة من منظور العقل الحديث لتوارى الجانب الأخلاقي والديني فيها وأصبحنا إزاء صورة تتحدّث عن معرفة الذات. فالاعتداد المفرط بالنفس من شأنه أن يُفقد الإنسان صلته بالواقع ويدفعه للمبالغة في تقدير نفسه وإمكانياته.
وليام بليك كان شاعرا ورسّاما رؤيويّاً. وكان يحتقر التركيز على التفكير العقلاني. كما عُرف بتمرّده على المدرسة الفنّية السائدة آنذاك، وفضّل أن يخلق عالمه الفنيّ الخاصّ به.
وطوال حياته، كان بليك شخصا مثيرا للجدل بسبب كتاباته ورسوماته ومعتقداته. ويقال انه كان يؤمن بالرؤى ويخبر الناس عن رؤيته للملائكة وغيرها من المخلوقات التي كان يزعم مقدرته على التواصل معها.
ورغم تديّنه الواضح، إلا انه كان يشكّك في الكثير من الأفكار والمعتقدات المسيحية. لكن الكنيسة لم تتخذ منه موقفا، ربّما بسبب حقيقة انه كان يُنظر إليه كشخص غريب الأطوار وغير ضارّ، بالإضافة إلى أن أفكاره لم تكن تشكّل تهديدا جدّياً لأحد.
اسم نبوخذنصّر يرتبط أيضا بقصّة استيلائه على القدس حوالي العام 587 وتدمير معبدها الكبير ونفى الكثير من سكّانها اليهود إلى بابل في ما عُرف فيما بعد بالسبي البابلي.
غير أن الرسّام وليام بليك يصوّر في لوحته هذه القائد البابليّ بطريقة غريبة، اعتمادا على قصّة أسطورية وردت في سِفر دانيال. كان دانيال رجلا يهوديّا يعمل مستشارا لـ نبوخذنصّر. وقد اخبره الملك ذات يوم انه رأى حلما غامضا في المنام وطلب منه أن يفسّره له. فقال له دانيال مفسّرا الحلم أنه، أي الملك، سيعاقَب على غروره واعتداده المفرط بنفسه، وأن عقوبته ستنتهي بعد سبع سنوات عندما يُقرّ بوجود إله عظيم في السماء.
وتمضي القصّة فتقول إن هيئة نبوخذنصّر تغيّرت بعد ذلك تدريجيا إلى أن نزل إلى مستوى الحيوان، فأصبح يقتات على الأعشاب البرّية ونمت له مخالب تشبه تلك التي للطيور الجارحة ونبت له شعر مثل ريش النسر. وبعد سبع سنوات من تحوّله الغريب، نظر الملك إلى السماء واستغفر الله على ذنوبه، ثمّ لم يلبث أن عاد إلى هيئته الإنسانية الأولى.
رسم وليام بليك أربع نسخ من هذه اللوحة مع اختلافات بسيطة. وقد استخدم أولاها في كتاب ألّفه ووضع رسوماته بعنوان زواج الجنّة والنار.
في هذه اللوحة، نرى نبوخذنصّر الذي كان ملكا عظيما ومهاب الجانب وقد أصبح مخلوقا عاريا يزحف في البرّية على يديه وركبتيه كما تفعل الحيوانات الطريدة. شعره الذهبيّ يفيض على ظهره، ولحيته الطويلة تسحب في الأرض. فمه المشدوه وحاجباه الكثيفان وعيناه المحرقتان توصل شعورا باليأس والصدمة والرعب. جذع الشجرة الكبير خلفه ربّما يشير إلى الشجرة الكبيرة التي قال انه رآها في الحلم.
من الملاحظ أن بليك رسم الخلفية بخطوط فضفاضة، بينما اختار أن يرسم الجسد والعضلات بتفاصيل وخطوط واضحة. قوّة جسد نبوخذنصّر توحي بأن هذه لم تكن هيئته الأصلية وبأنه تحوّل من حال إلى حال. وفي حالته البهيمية هذه، فإن الملك ليس أكثر من وحش اُجبر على أن يعيش مثل بقيّة الحيوانات. عيناه المرعوبتان هما وحدهما ما يذكّر بهيئته الإنسانية الأصلية. يمكن أن تكون هذه لحظة العقل عندما يدرك الملك انه بشر وأن الله قادر على تغيير هيئته.
قصّة دانيال عن تحوّل نبوخذنصّر إلى حيوان يبدو أن الغرض منها تبيان قدرة الله، مع أن لا سند تاريخيّا يؤكّد القصّة. لكن كان هناك تقليد قديم يربط الفساد الأخلاقي وعصيان أوامر الربّ بالمظهر الحيواني.
التفسيرات المعاصرة لما حدث لـ نبوخذنصّر، على افتراض صحّة القصّة، عديدة ومتباينة. بعض علماء النفس، مثلا، يعزون جنون الملك إلى الشلل أو مرض الزهري أو إلى إصابته بالخرف الدماغي. لكن هناك تفسيرا رائجا بكثرة، ومفاده أن نبوخذنصّر ربّما كان يعاني من مرض عقلي اسمه انسينيا زونثروبيكا، وهو اختلال عقليّ يدفع المريض إلى الاعتقاد بأنه تحوّل إلى حيوان "ذئب غالبا"، ومن ثم يتصرّف كما تتصرّف الحيوانات.
كان وليام بليك يعتقد بأن الخيال، لا العقل، هو العنصر المهيمن على طبيعة الإنسان. ولوحته الحيوانية عن نبوخذنصّر تصوّر الجانب اللاعقلاني والذي لا يمكن التحكّم به في طبيعة البشر. ويقال انه أراد من وراء صورة الملك المجنون التعبير عن اعتراضه على أفكار نيوتن العقلانية.
ولو نظرنا إلى هذه اللوحة من منظور العقل الحديث لتوارى الجانب الأخلاقي والديني فيها وأصبحنا إزاء صورة تتحدّث عن معرفة الذات. فالاعتداد المفرط بالنفس من شأنه أن يُفقد الإنسان صلته بالواقع ويدفعه للمبالغة في تقدير نفسه وإمكانياته.
وليام بليك كان شاعرا ورسّاما رؤيويّاً. وكان يحتقر التركيز على التفكير العقلاني. كما عُرف بتمرّده على المدرسة الفنّية السائدة آنذاك، وفضّل أن يخلق عالمه الفنيّ الخاصّ به.
وطوال حياته، كان بليك شخصا مثيرا للجدل بسبب كتاباته ورسوماته ومعتقداته. ويقال انه كان يؤمن بالرؤى ويخبر الناس عن رؤيته للملائكة وغيرها من المخلوقات التي كان يزعم مقدرته على التواصل معها.
ورغم تديّنه الواضح، إلا انه كان يشكّك في الكثير من الأفكار والمعتقدات المسيحية. لكن الكنيسة لم تتخذ منه موقفا، ربّما بسبب حقيقة انه كان يُنظر إليه كشخص غريب الأطوار وغير ضارّ، بالإضافة إلى أن أفكاره لم تكن تشكّل تهديدا جدّياً لأحد.
موضوع ذو صلة: وليام بليك .. الفوضويّ الحالم