كَمَـان وشمعـدان
للفنان الفرنسي جـورج بْرَاك، 1910
للفنان الفرنسي جـورج بْرَاك، 1910
ترى، لو لم يختر الرسّام عنوانا لهذه اللوحة ذات اللون الأحادي، هل سيكون من السهل بالنسبة للناظر أن يتعرّف على طبيعة الأشياء المرسومة فيها؟
قد يقول قائل انه بشيء من التركيز والتمعّن في تفاصيل اللوحة يمكن رؤية شيء اقرب ما يكون لشكل آلة الكمان في الجزء السفلي الأيسر منها. أما الشمعدان فالأرجح أن لا ترى سوى بعض أجزائه المفكّكة والمتناثرة في منتصف اللوحة.
بعض النقّاد يرى في هذه اللوحة تجسيدا للسمات الديناميكية والحيوية التي طبعت التكعيبية التحليلية. وهي أسلوب فنّي ثوري ابتدعه كلّ من جورج بْرَاك وبابلو بيكاسو لتصوير أشياء ذات بعد ثلاثي على قماش مسطّح، دون استخدام المنظور التقليدي الذي كان معمولا به منذ عصر النهضة.
وهذا الأسلوب في الرسم ينحو باتجاه تكسير الأشياء وتجزئتها وتسطيحها ومن ثمّ إعادة بنائها من نقاط متعدّدة.
كان بْرَاك يرى أن هذا النوع من التجزئة يسهم في تقريب الأشياء أكثر. وهذه اللوحة تختصر هاجس الفنّان بشكل الأشياء، ورغبته في أن يخلق وهما في ذهن الملتقّي كي يتنقّل بحرّية داخل اللوحة.
عندما تنظر إلى هذه اللوحة لأوّل وهلة، قد يُخيّل إليك أنها تتحرّك. بْرَاك كان يرى أن الآلات الموسيقية تحتفظ بأهمية اكبر من حيث أنها تتحرّك وتتفاعل بمجرّد أن يلمسها الإنسان. ومثل الإيقاع والتجانس اللذين يميّزان حياة الآلات الموسيقية، فإن الحركة الديناميكية للمكان هي جوهر غنائية لوحات بْرَاك التكعيبية.
وفي اختياره لموضوع الكمان والشمعدان، يخبرنا بْرَاك انه يرسم وفق تقليد مألوف يستمدّ أصوله من رسوم الحياة الساكنة الهولندية والفرنسية. وبناءً عليه، فإن ما نراه ليس تمثيلا وهميا لكمان وشمعدان، لأنه بالإمكان أن نرى في تفاصيل اللوحة بعض المؤشّرات أو العلامات الدالّة على وجودهما.
وفي تمثيله للآلة الموسيقية على وجه الخصوص، يُلاحظ أن الرسّام استخدم خطوطا تجريدية، لكنها واضحة بما يكفي ودونما حاجة للعنوان، لأن نفهم أنها تشير إلى جانبي جسم آلة الكمان. كأن الرسّام يجرّب إلى أيّ مدى يمكن للخطوط والأشكال التجريدية أن تمثل الأشياء وتقرّبها من ذهن المتلقّي.
ظهرت التكعيبية كأسلوب مميّز ومؤثّر من أساليب الفنون البصرية في باريس في الفترة ما بين عامي 1907 و 1914م. وكان هذا الأسلوب يمثّل ثورة وفي نفس الوقت قطيعة مع أساليب الرسم التقليدية المعروفة.
وهناك اتفاق بين مؤرّخي الفنّ على أن بابلو بيكاسو وجورج بْرَاك هما الأبوان المؤسّسان للتكعيبية. لكن كان هناك رسّامون آخرون دفعوا بالحركة قُدُماً، مثل فيرناند ليجيه وسونيا ديلوناي وخوان غْرِيس ومارسيل دُوشان.
الناقد الفنّي الفرنسي لوي فوسيل كان أوّل من استخدم مصطلح التكعيبية عام 1908 عندما رأى لوحة لـ بْرَاك ووصفها بأنها "مكعّبات غريبة". وسرعان ما انتشر المصطلح على نطاق واسع، رغم انه لم يرق كثيرا لـ بيكاسو وبْرَاك.
وفي ما بعد، وصف مؤرّخ آخر التكعيبية بأنها "المحاولة الأكثر تطرّفا للقضاء على الغموض وفرض قراءة واحدة للصورة".
وقد رفض الرسّامون التكعيبيون التمسّك بالمنظور. كما نحّوا جانبا القاعدة القديمة التي تقول إن الفنّ يجب أن يحاكي الحياة وفضّلوا عليها تمثيل الأشخاص والأشياء بطريقة مجزّأة.
بْرَاك كان دائما معجبا بالشكل والثبات. ولوحاته تختصر هدف التكعيبية الأساسي، وهو تمثيل العالم كما يُرى من وجهات نظر مختلفة ومن زوايا متعدّدة.
ولد جورج بْرَاك في ارجنتويل في مايو من عام 1882. وقد تعرّف منذ صغره على الألوان وأدوات الرسم في متجر والده. وفيما بعد تلقّى بعض الدروس في أكاديمية الفنون.
وعندما انتقل إلى باريس، عمل مع احد رسّامي الديكور واستمرّ في تلقي دروس خاصّة في الرسم. وفي عام 1907 قابل بابلو بيكاسو أثناء عمل الأخير على لوحته المشهورة آنسات أفينيون. ومنذ ذلك الحين ربطت الاثنين صداقة وثيقة. ويقال أنهما ابتكرا التكعيبية في الرسم عندما كانا يلاحظان عن قرب بعض لوحات بول سيزان.
وقد بدأ الاثنان رحلتهما مع التكعيبية باستخدام ألوان محايدة وأنماط هندسية معقّدة. ثم بدأ بْرَاك يوظّف الكولاج في أعماله باستخدام أشياء متنوّعة من الحياة اليومية مثل الصحف والحبال والورق والزجاج والنسيج وخلافه.
خدم جورج بْرَاك كجندي في الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى. وعانى وقتها من إصابة بالغة في الرأس تلتها فترة نقاهة طويلة. ثم عاد إلى الرسم مرة أخرى عام 1917م. لكنه لم يلبث أن انفصل عن التكعيبية وأصبح يميل أكثر إلى التجريب في محاولة لاكتشاف أساليب فنّية جديدة.
وقد توفّي الرسّام في باريس في أغسطس من عام 1963 ودُفن في إحدى كنائس النورماندي. وأعماله موجودة اليوم في العديد من المتاحف العالمية المشهورة.
قد يقول قائل انه بشيء من التركيز والتمعّن في تفاصيل اللوحة يمكن رؤية شيء اقرب ما يكون لشكل آلة الكمان في الجزء السفلي الأيسر منها. أما الشمعدان فالأرجح أن لا ترى سوى بعض أجزائه المفكّكة والمتناثرة في منتصف اللوحة.
بعض النقّاد يرى في هذه اللوحة تجسيدا للسمات الديناميكية والحيوية التي طبعت التكعيبية التحليلية. وهي أسلوب فنّي ثوري ابتدعه كلّ من جورج بْرَاك وبابلو بيكاسو لتصوير أشياء ذات بعد ثلاثي على قماش مسطّح، دون استخدام المنظور التقليدي الذي كان معمولا به منذ عصر النهضة.
وهذا الأسلوب في الرسم ينحو باتجاه تكسير الأشياء وتجزئتها وتسطيحها ومن ثمّ إعادة بنائها من نقاط متعدّدة.
كان بْرَاك يرى أن هذا النوع من التجزئة يسهم في تقريب الأشياء أكثر. وهذه اللوحة تختصر هاجس الفنّان بشكل الأشياء، ورغبته في أن يخلق وهما في ذهن الملتقّي كي يتنقّل بحرّية داخل اللوحة.
عندما تنظر إلى هذه اللوحة لأوّل وهلة، قد يُخيّل إليك أنها تتحرّك. بْرَاك كان يرى أن الآلات الموسيقية تحتفظ بأهمية اكبر من حيث أنها تتحرّك وتتفاعل بمجرّد أن يلمسها الإنسان. ومثل الإيقاع والتجانس اللذين يميّزان حياة الآلات الموسيقية، فإن الحركة الديناميكية للمكان هي جوهر غنائية لوحات بْرَاك التكعيبية.
وفي اختياره لموضوع الكمان والشمعدان، يخبرنا بْرَاك انه يرسم وفق تقليد مألوف يستمدّ أصوله من رسوم الحياة الساكنة الهولندية والفرنسية. وبناءً عليه، فإن ما نراه ليس تمثيلا وهميا لكمان وشمعدان، لأنه بالإمكان أن نرى في تفاصيل اللوحة بعض المؤشّرات أو العلامات الدالّة على وجودهما.
وفي تمثيله للآلة الموسيقية على وجه الخصوص، يُلاحظ أن الرسّام استخدم خطوطا تجريدية، لكنها واضحة بما يكفي ودونما حاجة للعنوان، لأن نفهم أنها تشير إلى جانبي جسم آلة الكمان. كأن الرسّام يجرّب إلى أيّ مدى يمكن للخطوط والأشكال التجريدية أن تمثل الأشياء وتقرّبها من ذهن المتلقّي.
ظهرت التكعيبية كأسلوب مميّز ومؤثّر من أساليب الفنون البصرية في باريس في الفترة ما بين عامي 1907 و 1914م. وكان هذا الأسلوب يمثّل ثورة وفي نفس الوقت قطيعة مع أساليب الرسم التقليدية المعروفة.
وهناك اتفاق بين مؤرّخي الفنّ على أن بابلو بيكاسو وجورج بْرَاك هما الأبوان المؤسّسان للتكعيبية. لكن كان هناك رسّامون آخرون دفعوا بالحركة قُدُماً، مثل فيرناند ليجيه وسونيا ديلوناي وخوان غْرِيس ومارسيل دُوشان.
الناقد الفنّي الفرنسي لوي فوسيل كان أوّل من استخدم مصطلح التكعيبية عام 1908 عندما رأى لوحة لـ بْرَاك ووصفها بأنها "مكعّبات غريبة". وسرعان ما انتشر المصطلح على نطاق واسع، رغم انه لم يرق كثيرا لـ بيكاسو وبْرَاك.
وفي ما بعد، وصف مؤرّخ آخر التكعيبية بأنها "المحاولة الأكثر تطرّفا للقضاء على الغموض وفرض قراءة واحدة للصورة".
وقد رفض الرسّامون التكعيبيون التمسّك بالمنظور. كما نحّوا جانبا القاعدة القديمة التي تقول إن الفنّ يجب أن يحاكي الحياة وفضّلوا عليها تمثيل الأشخاص والأشياء بطريقة مجزّأة.
بْرَاك كان دائما معجبا بالشكل والثبات. ولوحاته تختصر هدف التكعيبية الأساسي، وهو تمثيل العالم كما يُرى من وجهات نظر مختلفة ومن زوايا متعدّدة.
ولد جورج بْرَاك في ارجنتويل في مايو من عام 1882. وقد تعرّف منذ صغره على الألوان وأدوات الرسم في متجر والده. وفيما بعد تلقّى بعض الدروس في أكاديمية الفنون.
وعندما انتقل إلى باريس، عمل مع احد رسّامي الديكور واستمرّ في تلقي دروس خاصّة في الرسم. وفي عام 1907 قابل بابلو بيكاسو أثناء عمل الأخير على لوحته المشهورة آنسات أفينيون. ومنذ ذلك الحين ربطت الاثنين صداقة وثيقة. ويقال أنهما ابتكرا التكعيبية في الرسم عندما كانا يلاحظان عن قرب بعض لوحات بول سيزان.
وقد بدأ الاثنان رحلتهما مع التكعيبية باستخدام ألوان محايدة وأنماط هندسية معقّدة. ثم بدأ بْرَاك يوظّف الكولاج في أعماله باستخدام أشياء متنوّعة من الحياة اليومية مثل الصحف والحبال والورق والزجاج والنسيج وخلافه.
خدم جورج بْرَاك كجندي في الجيش الفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى. وعانى وقتها من إصابة بالغة في الرأس تلتها فترة نقاهة طويلة. ثم عاد إلى الرسم مرة أخرى عام 1917م. لكنه لم يلبث أن انفصل عن التكعيبية وأصبح يميل أكثر إلى التجريب في محاولة لاكتشاف أساليب فنّية جديدة.
وقد توفّي الرسّام في باريس في أغسطس من عام 1963 ودُفن في إحدى كنائس النورماندي. وأعماله موجودة اليوم في العديد من المتاحف العالمية المشهورة.