مارليـن الفيـروزيـة
للفنان الأمـريكي انـدي وارهــول، 1964
للفنان الأمـريكي انـدي وارهــول، 1964
كانت مارلين مونرو "واسمها الأصلي نورما جين بيكر" قد أصبحت اسما مشهورا ومعروفا في عالم هوليوود في خمسينات القرن الماضي. غير أنها سرعان ما تحوّلت إلى أسطورة بعد أن أقدمت على الانتحار في أغسطس من عام 1962م.
الصورة التي كانت منطبعة في أذهان الكثيرين عن مونرو هي صورة امرأة شقراء ومثيرة. لكن بالنسبة لجمهورها ولوسائل الإعلام، بدا أن حياتها كانت سلسلة من المتاعب التي جرّتها عليها شهرتها وجمالها.
وبعد موتها، رسم لها اندي وارهول خمس لوحات اعتمادا على إحدى صورها الفوتوغرافية التي ظهرت بها في ملصق فيلمها المشهور "نياغارا". وفي جميع هذه اللوحات وظّف الرسّام نفس الصورة لكنّه استخدم لكلّ لوحة لوناً مختلفاً. وأطلق على كلّ واحدة اسما يوافق لونها الغالب، مثل مارلين الفضّية، ومارلين الذهبية، ومارلين الزهرية، ومارلين التركوازية أو الفيروزية، ومارلين الليمونية.
كان وارهول يدرك تأثير مارلين مونرو الكبير على هوليوود وعلى الثقافة الشعبية الأمريكية بشكل عام. لذا سعى جاهدا إلى التسامي بمكانتها من نجمة أو ممثّلة إلى أيقونة وإلهة لهوليوود. ومن خلال استنساخه صورة عادية يعرفها الملايين، أراد الرسّام تقويض صورة مونرو كرمز عام وتحويلها إلى منتج ثقافي وصورة تقبل الاستنساخ والتكرار إلى ما لا نهاية.
وجه مارلين مونرو في اللوحة يبدو ببشرة وردية وشفتين حمراوين وشعر أشقر على خلفية من اللون الفيروزي الداكن. لعبة الألوان غريبة هنا. اللون المكثّف في الخلفية يخلق جوّا عن عالم أو فضاء غير واقعي. شفتا المرأة وظلّ العين يبدوان غير متناسقين مع وجهها. الشعر لا يبدو طبيعيا بل اقرب لأن يكون شعرا مستعارا.
هل هذه إشارات ضمنية إلى أن ما نراه ليس هو الواقع أو أن الواقع يختلف عمّا نراه؟! من الواضح انه بسبب لوحات وارهول، ارتفعت مكانة مونرو وسطع نجمها أكثر. وقد كتب احد النقّاد ذات مرّة ملاحظة ذات مغزى عندما قال: ربّما كان وارهول يقدّس مارلين. لكنّه في لوحاته عنها يكشف عن صورتها العامّة باعتبارها ضربا من الوهم المشيّد بعناية".
ولد اندي وارهول في الولايات المتحدة عام 1928 لأبوين مهاجرين من ما يُعرف اليوم بـ سلوفاكيا. ولم يكن يتوفّر على أيّ نوع من التعليم. لكنّه كان فنّانا على طريقته الخاصّة. كانت أمّه تتابعه وتهتمّ به. وقد عاش إلى جوارها معظم حياته وكان يشاطرها حبّها الشديد للقطط.
وفي ما بعد درس في مدرسة الفنون الجميلة التابعة لمعهد كارنيغي. وتخرّج من المعهد وعمره عشرون عاما. ثم ذهب إلى نيويورك حيث عمل رسّاما في مجلات مثل فوغ وهاربرز بازار.
في لوحة مارلين الذهبية، يرسم وارهول الممثّلة على خلفية ذهبية، أي بنفس الطريقة التي كانت تُرسم بها العذراء في الأيقونات الدينية المسيحية. كأن الرسّام أراد أن يوحي بأن مونرو تحوّلت بعد موتها إلى مخلوق معبود ومقدّس. ولا بدّ وأنه كان يلاحظ إقبال النجوم الشباب على تمثّل نموذجها ومحاولة بلوغ نجاحها وملء الفراغ الذي تركته في عالم الفنّ.
في العام 1964، دخلت امرأة إلى محترف وارهول في مانهاتن والمسمّى "المصنع"، وصوّبت مسدّسا إلى رأسه. وأثناء محاولته تفادي الهجوم، طاشت رصاصة المسدّس لتخترق أربع لوحات من مجموعته عن مارلين مونرو كانت مكدّسة على أرضيّة الغرفة. ولم تكن "مارلين الفيروزية" من بين تلك اللوحات الأربع التي أصبحت تُسمّى "اللوحات المصوّبة". وقد تمّ إصلاح الضرر الذي لحق باللوحات وهي الآن بحالة جيّدة في إحدى المجموعات الفنية الخاصّة.
أسلوب اندي وارهول ولوحاته ذات الألوان الثقيلة والجامحة وطبيعة فهمه لوظيفة الفنّ كانت تشكّل تحدّيا للمشهد الفنّي المعاصر في ستّينات القرن الماضي. وقد اشتهر بعبارته المستفزّة التي تقول إن التجارة الجيّدة هي الفنّ الأفضل". وعندما رسم صور مارلين مونرو كان قد أصبح رمزا ثقافيا مهمّا. وقد اشتهر بتعليقاته وآرائه عن المجتمعات المعاصرة، خاصة الإعلام الجماهيري.
في العام 2007، اشترى لوحة "مارلين الفيروزية" جامع التحف الأمريكي ستيف كوهين بمبلغ ثمانين مليون دولار. وكانت لوحة أخرى لـ وارهول بعنوان "سيارة خضراء محترقة" قد بيعت قبل ذلك بمبلغ اثنين وسبعين مليون دولار.
والحقيقة انه ما من رسّام ارتبط اسمه بالفنّ الشعبي أو "البوب آرت" مثل وارهول. وهو أوّل رسّام تمكّن من إزالة الفوارق بين الفنون التشكيلية والفنون التجارية التي تُستخدم في الرسوم التوضيحية للمجلات والكتب الهزلية وألبومات الموسيقى والحملات الإعلانية والدعائية.
كان وارهول يستخفّ بوجهة النظر التقليدية حول ما يمكن أن يُعتبر مواضيع مناسبة في الفنّ. ولعلّ ابلغ ما يلخّص فلسفته الفنّية هو قوله: لو فكّر الإنسان مليّاً، فسيكتشف أن ثمّة أوجه شبه كبيرة بين مراكز التسوّق أو المحلات التجارية الكبيرة والمتاحف". كان وارهول ينتزع الصورة من سياقها ويجرّدها من المعنى، بحيث يسمح للمتلقّي بأن يعيد التفكير في رموزها ودلالاتها.
بعض النقّاد يأخذون على لوحاته طابعها الميكانيكي الذي لا يذكّر بالرسم. وبعضهم يسمّون فنّه "اللا فنّ". ومع ذلك أصبح وارهول أيقونة لعصره. كان شخصا موهوبا ومتعدّد الاهتمامات. فإلى جانب الرسم، عمل الفنّان في صناعة الأفلام والنشر وفي التصوير الفوتوغرافي. كما كان أيضا رجل أعمال ومعلّقا اجتماعيا بارزا.
في مطلع الستّينات أسّس وارهول محترفه الذي اسماه "المصنع"، وكرّسه لإنتاج كمّيات كبيرة من الطبعات والصور والبوسترات التي كان يرسمها. ثم أعلن انه لن يعتمد في الإنتاج على ما يصنعه بيده بل سيترك تلك المهمّة للآلات والمكائن، وبذا فجّر ثورة في الفنّ وأصبح عمله رائجا جدّا ومثيرا للجدل بنفس الوقت.
اللوحات التي رسمها وارهول لـ مارلين مونرو لم تقنع الكثيرين بأن هذه هي صورة النجمة فعلا. وهذا بدوره أفسح المجال للكثير من النظريات النفسية التي تحدّث بعضها عن قلق الخصي السيكولوجي عند الرسّام وفقدانه للقوّة الذكورية.
ومهما يكن من أمر، فإن ممّا لا يمكن نكرانه أن اندي وارهول كان احد الرسّامين الأكثر تميّزا ونفوذا في القرن العشرين. أثناء حياته، كان إنسانا متواضعا وخجولا. وكان مدمنا على العمل ليلا ونهارا على الرغم من مرضه. فقد كان يعاني من متلازمة أعراض سايدمان، وهو مرض يصيب الشخص في طفولته. ومن أعراضه قلّة انتظام الحركة والتعب الجسدي والمعاناة من آلام الروماتيزم المزمنة.
الجانب المظلم من اندي وارهول هو سلسلة لوحاته بعنوان "الموت والكارثة". وقد رسم تلك اللوحات في فترة عانى خلالها من بعض المآسي الشخصية، مثل حادث سيّارة نجا منه بأعجوبة ومحاولته الفاشلة الانتحار.
توفّي اندي وارهول في مدينة نيويورك في فبراير عام 1987م إثر إصابته بأزمة قلبية بعد أن عانى من مضاعفات عملية سبق وأن خضع لها في المثانة. وقد وُضع جثمانه في تابوت مطليّ بالذهب، ودُفن ببدلته الكشمير السوداء ونظّاراته الشمسية وباروكته الفضّية الشهيرة، بالإضافة إلى زجاجة من عطره المفضّل.
الصورة التي كانت منطبعة في أذهان الكثيرين عن مونرو هي صورة امرأة شقراء ومثيرة. لكن بالنسبة لجمهورها ولوسائل الإعلام، بدا أن حياتها كانت سلسلة من المتاعب التي جرّتها عليها شهرتها وجمالها.
وبعد موتها، رسم لها اندي وارهول خمس لوحات اعتمادا على إحدى صورها الفوتوغرافية التي ظهرت بها في ملصق فيلمها المشهور "نياغارا". وفي جميع هذه اللوحات وظّف الرسّام نفس الصورة لكنّه استخدم لكلّ لوحة لوناً مختلفاً. وأطلق على كلّ واحدة اسما يوافق لونها الغالب، مثل مارلين الفضّية، ومارلين الذهبية، ومارلين الزهرية، ومارلين التركوازية أو الفيروزية، ومارلين الليمونية.
كان وارهول يدرك تأثير مارلين مونرو الكبير على هوليوود وعلى الثقافة الشعبية الأمريكية بشكل عام. لذا سعى جاهدا إلى التسامي بمكانتها من نجمة أو ممثّلة إلى أيقونة وإلهة لهوليوود. ومن خلال استنساخه صورة عادية يعرفها الملايين، أراد الرسّام تقويض صورة مونرو كرمز عام وتحويلها إلى منتج ثقافي وصورة تقبل الاستنساخ والتكرار إلى ما لا نهاية.
وجه مارلين مونرو في اللوحة يبدو ببشرة وردية وشفتين حمراوين وشعر أشقر على خلفية من اللون الفيروزي الداكن. لعبة الألوان غريبة هنا. اللون المكثّف في الخلفية يخلق جوّا عن عالم أو فضاء غير واقعي. شفتا المرأة وظلّ العين يبدوان غير متناسقين مع وجهها. الشعر لا يبدو طبيعيا بل اقرب لأن يكون شعرا مستعارا.
هل هذه إشارات ضمنية إلى أن ما نراه ليس هو الواقع أو أن الواقع يختلف عمّا نراه؟! من الواضح انه بسبب لوحات وارهول، ارتفعت مكانة مونرو وسطع نجمها أكثر. وقد كتب احد النقّاد ذات مرّة ملاحظة ذات مغزى عندما قال: ربّما كان وارهول يقدّس مارلين. لكنّه في لوحاته عنها يكشف عن صورتها العامّة باعتبارها ضربا من الوهم المشيّد بعناية".
ولد اندي وارهول في الولايات المتحدة عام 1928 لأبوين مهاجرين من ما يُعرف اليوم بـ سلوفاكيا. ولم يكن يتوفّر على أيّ نوع من التعليم. لكنّه كان فنّانا على طريقته الخاصّة. كانت أمّه تتابعه وتهتمّ به. وقد عاش إلى جوارها معظم حياته وكان يشاطرها حبّها الشديد للقطط.
وفي ما بعد درس في مدرسة الفنون الجميلة التابعة لمعهد كارنيغي. وتخرّج من المعهد وعمره عشرون عاما. ثم ذهب إلى نيويورك حيث عمل رسّاما في مجلات مثل فوغ وهاربرز بازار.
في لوحة مارلين الذهبية، يرسم وارهول الممثّلة على خلفية ذهبية، أي بنفس الطريقة التي كانت تُرسم بها العذراء في الأيقونات الدينية المسيحية. كأن الرسّام أراد أن يوحي بأن مونرو تحوّلت بعد موتها إلى مخلوق معبود ومقدّس. ولا بدّ وأنه كان يلاحظ إقبال النجوم الشباب على تمثّل نموذجها ومحاولة بلوغ نجاحها وملء الفراغ الذي تركته في عالم الفنّ.
في العام 1964، دخلت امرأة إلى محترف وارهول في مانهاتن والمسمّى "المصنع"، وصوّبت مسدّسا إلى رأسه. وأثناء محاولته تفادي الهجوم، طاشت رصاصة المسدّس لتخترق أربع لوحات من مجموعته عن مارلين مونرو كانت مكدّسة على أرضيّة الغرفة. ولم تكن "مارلين الفيروزية" من بين تلك اللوحات الأربع التي أصبحت تُسمّى "اللوحات المصوّبة". وقد تمّ إصلاح الضرر الذي لحق باللوحات وهي الآن بحالة جيّدة في إحدى المجموعات الفنية الخاصّة.
أسلوب اندي وارهول ولوحاته ذات الألوان الثقيلة والجامحة وطبيعة فهمه لوظيفة الفنّ كانت تشكّل تحدّيا للمشهد الفنّي المعاصر في ستّينات القرن الماضي. وقد اشتهر بعبارته المستفزّة التي تقول إن التجارة الجيّدة هي الفنّ الأفضل". وعندما رسم صور مارلين مونرو كان قد أصبح رمزا ثقافيا مهمّا. وقد اشتهر بتعليقاته وآرائه عن المجتمعات المعاصرة، خاصة الإعلام الجماهيري.
في العام 2007، اشترى لوحة "مارلين الفيروزية" جامع التحف الأمريكي ستيف كوهين بمبلغ ثمانين مليون دولار. وكانت لوحة أخرى لـ وارهول بعنوان "سيارة خضراء محترقة" قد بيعت قبل ذلك بمبلغ اثنين وسبعين مليون دولار.
والحقيقة انه ما من رسّام ارتبط اسمه بالفنّ الشعبي أو "البوب آرت" مثل وارهول. وهو أوّل رسّام تمكّن من إزالة الفوارق بين الفنون التشكيلية والفنون التجارية التي تُستخدم في الرسوم التوضيحية للمجلات والكتب الهزلية وألبومات الموسيقى والحملات الإعلانية والدعائية.
كان وارهول يستخفّ بوجهة النظر التقليدية حول ما يمكن أن يُعتبر مواضيع مناسبة في الفنّ. ولعلّ ابلغ ما يلخّص فلسفته الفنّية هو قوله: لو فكّر الإنسان مليّاً، فسيكتشف أن ثمّة أوجه شبه كبيرة بين مراكز التسوّق أو المحلات التجارية الكبيرة والمتاحف". كان وارهول ينتزع الصورة من سياقها ويجرّدها من المعنى، بحيث يسمح للمتلقّي بأن يعيد التفكير في رموزها ودلالاتها.
بعض النقّاد يأخذون على لوحاته طابعها الميكانيكي الذي لا يذكّر بالرسم. وبعضهم يسمّون فنّه "اللا فنّ". ومع ذلك أصبح وارهول أيقونة لعصره. كان شخصا موهوبا ومتعدّد الاهتمامات. فإلى جانب الرسم، عمل الفنّان في صناعة الأفلام والنشر وفي التصوير الفوتوغرافي. كما كان أيضا رجل أعمال ومعلّقا اجتماعيا بارزا.
في مطلع الستّينات أسّس وارهول محترفه الذي اسماه "المصنع"، وكرّسه لإنتاج كمّيات كبيرة من الطبعات والصور والبوسترات التي كان يرسمها. ثم أعلن انه لن يعتمد في الإنتاج على ما يصنعه بيده بل سيترك تلك المهمّة للآلات والمكائن، وبذا فجّر ثورة في الفنّ وأصبح عمله رائجا جدّا ومثيرا للجدل بنفس الوقت.
اللوحات التي رسمها وارهول لـ مارلين مونرو لم تقنع الكثيرين بأن هذه هي صورة النجمة فعلا. وهذا بدوره أفسح المجال للكثير من النظريات النفسية التي تحدّث بعضها عن قلق الخصي السيكولوجي عند الرسّام وفقدانه للقوّة الذكورية.
ومهما يكن من أمر، فإن ممّا لا يمكن نكرانه أن اندي وارهول كان احد الرسّامين الأكثر تميّزا ونفوذا في القرن العشرين. أثناء حياته، كان إنسانا متواضعا وخجولا. وكان مدمنا على العمل ليلا ونهارا على الرغم من مرضه. فقد كان يعاني من متلازمة أعراض سايدمان، وهو مرض يصيب الشخص في طفولته. ومن أعراضه قلّة انتظام الحركة والتعب الجسدي والمعاناة من آلام الروماتيزم المزمنة.
الجانب المظلم من اندي وارهول هو سلسلة لوحاته بعنوان "الموت والكارثة". وقد رسم تلك اللوحات في فترة عانى خلالها من بعض المآسي الشخصية، مثل حادث سيّارة نجا منه بأعجوبة ومحاولته الفاشلة الانتحار.
توفّي اندي وارهول في مدينة نيويورك في فبراير عام 1987م إثر إصابته بأزمة قلبية بعد أن عانى من مضاعفات عملية سبق وأن خضع لها في المثانة. وقد وُضع جثمانه في تابوت مطليّ بالذهب، ودُفن ببدلته الكشمير السوداء ونظّاراته الشمسية وباروكته الفضّية الشهيرة، بالإضافة إلى زجاجة من عطره المفضّل.