عاريـة تهبـط السلّـم
للفنان الفرنسي مارسيـل دُوشـان، 1912
للفنان الفرنسي مارسيـل دُوشـان، 1912
إذا كنت تتوقّع أن ترى امرأة عارية في هذه اللوحة كما يشي بذلك العنوان فسيخيب ظنّك. وقد يكون معك بعض العذر إن لم تجد في اللوحة ما يثير اهتمامك أو إن وجدتها شاذّة أو غريبة الشكل. ورغم ذلك، كانت هذه اللوحة مشهورة جدّا في زمانها بسبب الجدل الواسع الذي أثارته في حينه. بل إنها اليوم تُعتبر من أشهر الأعمال الفنّية العالمية.
بعض مؤرّخي الفنّ يعتبرون أفكار مارسيل دوشان امتدادا لعقول معاصريه مثل الروائيين جيمس جويس ومارسيل بروست. ومن بين من تأثّروا به في ما بعد كلّ من دي كوننغ، وجاسبر جونز الذي وصف أعماله بأنها جمال تمتزج فيه اللغة بالأفكار والرؤى.
كان دوشان يتبنّى نهجا مضادّا للفكرة التي تقول إن الفنّ يجب أن يروق للعين ويبهج الحواسّ. وكان يدعو لأن يُسخّر الفنّ من اجل خدمة العقل. كما عُرف عنه تركيزه على القيمة المفاهيمية للعمل الفنّي الذي يغذّي الناظر من خلال المفارقة والسخرية، وليس من خلال جاذبيّته التقنية أو الجمالية. وبذا ساعد في صياغة الذائقة الغربية للفنّ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
عندما أتمّ دُوشان رسم هذه اللوحة قبل حوالي مائة عام، رفض صالون الفنّانين المستقلّين تعليقها. ورغم سماتها التكعيبية الواضحة، إلا انه حتّى التكعيبيين رفضوا عرضها، على أساس أن المرأة العارية لا يجب أن تهبط السلّم بل أن تستلقي على أريكة أو سرير. التكعيبيون، وعلى رأسهم بيكاسو وبْرَاك، كانوا عادة يميلون إلى تثبيت الشخصيات في لوحاتهم بطريقة صارمة. لكنّ الشخصية في هذه اللوحة، التي لا نعرف إن كانت إنسانا أم جمادا، تبدو في حالة حركة أبدية ومستمرّة.
أحسّ دُوشان بالضيق وخيبة الأمل بعد أن لقيت لوحته في باريس كلّ هذا الاستقبال الفاتر. لذا قرّر أن يرسلها إلى نيويورك. وهناك أثارت اللوحة ردود فعل قويّة عند عرضها في العام 1913م. وقد اشتراها في الحال احد الأشخاص بثلاثة آلاف دولار أمريكي.
وجانب من الجدل الذي أثارته اللوحة يتمثّل في تصويرها الميكانيكي لموضوع هو في الأساس حسّي وأصبح محترما مع مرور الوقت.
غير أن غالبية النقّاد نظروا إليها باعتبارها لوحة غامضة ولا يمكن فهمها. وسرعان ما أصبحت مادّة للنكات ورسومات الكاريكاتير الساخرة. إحدى الصحف الأمريكية قالت إن اللوحة تشبه انفجارا في مصنع للخشب. بينما عرضت صحيفة أخرى على قرّائها مكافأة قدرها عشرة دولارات إذا استطاع أيّ منهم رؤية المرأة وسط متاهة الخطوط المتشابكة والمتداخلة في اللوحة.
وعندما علم دُوشان بما حدث للوحة في أمريكا استولى عليه شعور غامر بالسرور والارتياح. وشجّعته الشهرة الكبيرة التي جلبتها له على أن ينتقل إلى نيويورك بعد ذلك بعامين.
الشخصية الميكانيكية واللون المتجانس الواحد كانتا دائما سمتين نموذجيتين للرسم التكعيبي. ومع ذلك فالتصوير المتسلسل للحركة في هذه اللوحة يتجاوز التكعيبية في محاولته رسم الحركة وطاقة الجسم وحركته عبر المكان. الحركة تبدو دائرية وعكس اتجاه عقارب الساعة، أي من أعلى اليسار إلى أسفل اليمين. وأطراف الجسد التي يمكن التعرّف عليها مرسومة من عناصر تجريدية مخروطية واسطوانية متداخلة مع بعضها بطريقة توحي بالحركية والإيقاع. الألوان الساطعة في اللوحة تتراوح بين الأصفر وظلاله. والخطوات التي يُفترض أن نراها مشار إليها بألوان أكثر قتامة.
اهتمام دُوشان بتمثيل المراحل الثابتة للشيء المتحرّك قورن بأعمال المستقبليين الايطاليين الذين كانوا مهجوسين بأفكار السرعة النهائية والحركة.
أمّا استخدام العارية كرمز فقد كان تقليدا بدأه الرسّامون الطليعيون والتكعيبيون. ثم تكرّس مع ظهور السينما وتصوير المستقبليين للحركة واستخدام اللون الواحد في الرسم والتصوير وإعادة تعريف الزمان والمكان من قبل العلماء والفلاسفة.
البعض يصنّف دُوشان على انه احد الفنّانين الطليعيين الأكثر تأثيرا في فنّ القرن العشرين. وفي مطلع حياته كان متأثّرا بـ بسيزان ثم أصبح يميل للرسم الرمزي.
وقد شكّلت أفكاره تحدّيا للمجتمع الفنّي في تعريفه للفنّ وأوجد شكلا جديدا من الفنّ يعتمد على الأشياء الجاهزة. كان الرسّام يرى في الشيء العادي قيمة جمالية تفوق قيمته الوظيفية. كما كان يؤكّد على أن الرسم ليس له قواعد محدّدة ولا يُشترط في الرسّام أن يكون بارعا أو موهوبا.
ولطالما تحدّى دُوشان الأفكار التقليدية عن العملية الفنّية، من خلال أعماله التخريبية العديدة. فقد سخر من لوحة الموناليزا عندما أضاف لها شاربين، تأكيدا على موقفه المهاجم للفنّ الواقعي. كما صمّم منحوتة من البورسيلين على شكل حوض تواليت وقلبه على جنبه ثم وقّع عليه بالأحرف الأولى من اسمه المستعار ووصفه بـ النافورة ، في محاولة لتسفيه فكرة تقدير الفنّ ولاختبار حدود الذوق العامّ. كان دُوشان يدعو إلى تقويض الأفكار المحافظة والتقليدية التي حكمت أوربّا وعجّلت بالواقع المدمّر الذي جلبته الحرب العالمية الأولى. وكان يرى بأن ثمار الحياة الصناعية الحديثة مورد خصب في إنتاج الأعمال الفنية.
في نيويورك، تعرّف مارسيل دُوشان إلى حلقة الرسّامين والشعراء الذين كانوا يشكّلون نواة الحركة الدادية الأمريكية. وبعد ذلك بسنوات توقّف عن الرسم خوفا من تكرار نفسه وأصبح يولي جلّ اهتمامه للعب الشطرنج وتأليف المقطوعات الموسيقية. وبعد زيارة قصيرة لباريس، عاد إلى الولايات المتحدة وقرّر الإقامة فيها نهائيا. وقد تزوّج هناك وعاش إلى أن توفّي. وفي ما بعد منحته الولايات المتحدة جنسيّتها.
بعض مؤرّخي الفنّ يعتبرون أفكار مارسيل دوشان امتدادا لعقول معاصريه مثل الروائيين جيمس جويس ومارسيل بروست. ومن بين من تأثّروا به في ما بعد كلّ من دي كوننغ، وجاسبر جونز الذي وصف أعماله بأنها جمال تمتزج فيه اللغة بالأفكار والرؤى.
كان دوشان يتبنّى نهجا مضادّا للفكرة التي تقول إن الفنّ يجب أن يروق للعين ويبهج الحواسّ. وكان يدعو لأن يُسخّر الفنّ من اجل خدمة العقل. كما عُرف عنه تركيزه على القيمة المفاهيمية للعمل الفنّي الذي يغذّي الناظر من خلال المفارقة والسخرية، وليس من خلال جاذبيّته التقنية أو الجمالية. وبذا ساعد في صياغة الذائقة الغربية للفنّ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى.
عندما أتمّ دُوشان رسم هذه اللوحة قبل حوالي مائة عام، رفض صالون الفنّانين المستقلّين تعليقها. ورغم سماتها التكعيبية الواضحة، إلا انه حتّى التكعيبيين رفضوا عرضها، على أساس أن المرأة العارية لا يجب أن تهبط السلّم بل أن تستلقي على أريكة أو سرير. التكعيبيون، وعلى رأسهم بيكاسو وبْرَاك، كانوا عادة يميلون إلى تثبيت الشخصيات في لوحاتهم بطريقة صارمة. لكنّ الشخصية في هذه اللوحة، التي لا نعرف إن كانت إنسانا أم جمادا، تبدو في حالة حركة أبدية ومستمرّة.
أحسّ دُوشان بالضيق وخيبة الأمل بعد أن لقيت لوحته في باريس كلّ هذا الاستقبال الفاتر. لذا قرّر أن يرسلها إلى نيويورك. وهناك أثارت اللوحة ردود فعل قويّة عند عرضها في العام 1913م. وقد اشتراها في الحال احد الأشخاص بثلاثة آلاف دولار أمريكي.
وجانب من الجدل الذي أثارته اللوحة يتمثّل في تصويرها الميكانيكي لموضوع هو في الأساس حسّي وأصبح محترما مع مرور الوقت.
غير أن غالبية النقّاد نظروا إليها باعتبارها لوحة غامضة ولا يمكن فهمها. وسرعان ما أصبحت مادّة للنكات ورسومات الكاريكاتير الساخرة. إحدى الصحف الأمريكية قالت إن اللوحة تشبه انفجارا في مصنع للخشب. بينما عرضت صحيفة أخرى على قرّائها مكافأة قدرها عشرة دولارات إذا استطاع أيّ منهم رؤية المرأة وسط متاهة الخطوط المتشابكة والمتداخلة في اللوحة.
وعندما علم دُوشان بما حدث للوحة في أمريكا استولى عليه شعور غامر بالسرور والارتياح. وشجّعته الشهرة الكبيرة التي جلبتها له على أن ينتقل إلى نيويورك بعد ذلك بعامين.
الشخصية الميكانيكية واللون المتجانس الواحد كانتا دائما سمتين نموذجيتين للرسم التكعيبي. ومع ذلك فالتصوير المتسلسل للحركة في هذه اللوحة يتجاوز التكعيبية في محاولته رسم الحركة وطاقة الجسم وحركته عبر المكان. الحركة تبدو دائرية وعكس اتجاه عقارب الساعة، أي من أعلى اليسار إلى أسفل اليمين. وأطراف الجسد التي يمكن التعرّف عليها مرسومة من عناصر تجريدية مخروطية واسطوانية متداخلة مع بعضها بطريقة توحي بالحركية والإيقاع. الألوان الساطعة في اللوحة تتراوح بين الأصفر وظلاله. والخطوات التي يُفترض أن نراها مشار إليها بألوان أكثر قتامة.
اهتمام دُوشان بتمثيل المراحل الثابتة للشيء المتحرّك قورن بأعمال المستقبليين الايطاليين الذين كانوا مهجوسين بأفكار السرعة النهائية والحركة.
أمّا استخدام العارية كرمز فقد كان تقليدا بدأه الرسّامون الطليعيون والتكعيبيون. ثم تكرّس مع ظهور السينما وتصوير المستقبليين للحركة واستخدام اللون الواحد في الرسم والتصوير وإعادة تعريف الزمان والمكان من قبل العلماء والفلاسفة.
البعض يصنّف دُوشان على انه احد الفنّانين الطليعيين الأكثر تأثيرا في فنّ القرن العشرين. وفي مطلع حياته كان متأثّرا بـ بسيزان ثم أصبح يميل للرسم الرمزي.
وقد شكّلت أفكاره تحدّيا للمجتمع الفنّي في تعريفه للفنّ وأوجد شكلا جديدا من الفنّ يعتمد على الأشياء الجاهزة. كان الرسّام يرى في الشيء العادي قيمة جمالية تفوق قيمته الوظيفية. كما كان يؤكّد على أن الرسم ليس له قواعد محدّدة ولا يُشترط في الرسّام أن يكون بارعا أو موهوبا.
ولطالما تحدّى دُوشان الأفكار التقليدية عن العملية الفنّية، من خلال أعماله التخريبية العديدة. فقد سخر من لوحة الموناليزا عندما أضاف لها شاربين، تأكيدا على موقفه المهاجم للفنّ الواقعي. كما صمّم منحوتة من البورسيلين على شكل حوض تواليت وقلبه على جنبه ثم وقّع عليه بالأحرف الأولى من اسمه المستعار ووصفه بـ النافورة ، في محاولة لتسفيه فكرة تقدير الفنّ ولاختبار حدود الذوق العامّ. كان دُوشان يدعو إلى تقويض الأفكار المحافظة والتقليدية التي حكمت أوربّا وعجّلت بالواقع المدمّر الذي جلبته الحرب العالمية الأولى. وكان يرى بأن ثمار الحياة الصناعية الحديثة مورد خصب في إنتاج الأعمال الفنية.
في نيويورك، تعرّف مارسيل دُوشان إلى حلقة الرسّامين والشعراء الذين كانوا يشكّلون نواة الحركة الدادية الأمريكية. وبعد ذلك بسنوات توقّف عن الرسم خوفا من تكرار نفسه وأصبح يولي جلّ اهتمامه للعب الشطرنج وتأليف المقطوعات الموسيقية. وبعد زيارة قصيرة لباريس، عاد إلى الولايات المتحدة وقرّر الإقامة فيها نهائيا. وقد تزوّج هناك وعاش إلى أن توفّي. وفي ما بعد منحته الولايات المتحدة جنسيّتها.