الصيـف
للفنان الفنلندي غونـار بيرنـدتسـون، 1893
الطبيعة في اللوحة من شمال أوربّا. والمنظر يصوّر يوما صيفيا مشمسا على شاطئ إحدى البحيرات في فنلندا. جوّ اللوحة قد لا يتطابق تماما مع واقع الحياة الفنلندية في ذلك الحين. فقد كان معظم الناس يعيشون حياة زراعية في الغالب، بينما كان آخرون يعانون من الفقر والحاجة.
المرأة والصبيّ الظاهران في اللوحة ينتميان للطبقة البرجوازية القليلة العدد والواسعة الثراء. والمزاج الشاعري الذي تعكسه اللوحة ينقل صورة لطبيعة حياة تلك الطبقة وطريقة استمتاع أفرادها بأوقات الراحة والعطل.
من الواضح أن الرسّام اهتمّ كثيرا بالتفاصيل في اللوحة، من قبيل الصخور المغمورة تحت الماء وأشعّة الشمس الصيفية المنعكسة على مياه البحيرة.
كانت شقيقة الرسّام زوجة لأحد البارونات وكان يتردّد على منزلها لزيارتهم من وقت لآخر. لكن قبل عامين من رسمه اللوحة، توفّيت شقيقته فجأة تاركة وراءها تسعة أطفال.
كان أكبر الأبناء بنتا اسمها كارين وهي التي تظهر في اللوحة بصحبة اصغر أشقّائها. وقد أراد الرسّام من وراء اللوحة إظهار اهتمام ورعاية ابنة شقيقته ذات الخمسة عشر ربيعا بأشقائها وعظم المسئولية التي أصبحت تضطلع بها بعد رحيل والدتها المفاجئ.
وتظهر كارين في اللوحة وهي تجلس على جسر خشبي صغير بالقرب من طرف البحيرة بينما تمسك بيدها كتابا. وعلى مقربة منها يظهر شقيقها الأصغر جالسا في قارب صغير. حرص المرأة على أخيها واضح من خلال مراقبتها اللصيقة له، فهي تدير وجهها باتجاهه وتقطع القراءة كي تطمئنّ على سلامته وتتأكد انه بعيد عن أيّ خطر محتمل.
مظهر الفتاة وطريقة لباسها تدلّ على مكانتها الاجتماعية. وهناك بالقرب منها وشاح قشيب الألوان وسلة من الخشب.
براعة بيرندتسون وعنايته بالتفاصيل واضحة من خلال أسلوبه في تمثيل الماء والأشجار والأعشاب البحرية والظلال والحجارة بطريقة تجعل اللوحة اقرب ما تكون للصورة الفوتوغرافية.
كان بيرندتسون احد الرسّامين الفنلنديين القلائل الذين حقّقوا شهرة عالمية في زمانه. وقد كان مختلفا عن معظم معاصريه من الفنّانين الفنلنديين الذين كانوا واقعين تحت تأثير مشاعرهم القومية. كان هؤلاء يروّجون لفكرة الأمّة الفنلندية من خلال فنّهم، كما وجدوا في الملحمة الوطنية المسمّاة "كاليفالا" التي جُمعت ونُشرت في القرن التاسع عشر مصدرا استلهموا منه مواضيع أعمالهم الفنّية.
وقد عُرف عن بيرندتسون نفوره من رسم المواضيع السياسية والاجتماعية. وكان يفضّل غالبا رسم المناظر الطبيعية التي تعكس نظرته المتفائلة للحياة. ولا تخلو لوحاته من مشاهد الريف الخضراء ومن الديكورات الأنيقة والملابس الزاهية والجميلة.
درس الفنّان الرسم في باريس التي قضى فيها ستّ سنوات عرض خلالها بعض أعماله في الصالون وفي أكاديمية الفنون الجميلة.
ومن أشهر أبناء جيله الموسيقيّ الفنلندي المشهور جان سبيليوس والرسّام البيرت ايديلفيلت الذي يُعتبر بنظر الكثيرين أفضل رسّام طبيعة فنلندي ظهر في القرن التاسع عشر.
موضوع ذو صلة: حوار الثلج والنار