شروق الشمس على قلعة نورهام
للفنان البريطاني جوزيف تيرنر، 1845
للفنان البريطاني جوزيف تيرنر، 1845
كان جوزيف تيرنر قد رأى لأوّل مرّة قلعة نورهام التاريخية الواقعة على الحدود ما بين انجلترا وسكوتلندا في العام 1797، وكان يزور آنذاك مناطق شمال انجلترا. وقد أعجب بالمكان وقرّر أن يعاود زيارته من وقت لآخر.
ويُرجّح أن يكون قد رسم هذا المنظر كـ "اسكتش" للوحة كان يفكّر في رسمها في ما بعد. غير أن اللوحة تبدو لمعظم الناس اليوم لوحة كاملة وجميلة ومقبولة بهيئتها هذه. وثمّة احتمال بأن تيرنر كان يراها كذلك، وربّما كان قد رسمها من اجل إرضاء نفسه فحسب.
وفي السنوات التالية رسم نسخا أخرى من هذه اللوحة التي مثّلت ذروة افتتانه الذي رافقه طوال حياته بهذا المكان. كما أن اللوحة تُعتبر أحد أعظم أعماله في تصويرها للضوء والتأثيرات الجوّية.
الألوان النقيّة في المنظر أكثر من الألوان المتباينة وتعبّر عن الضوء المتألّق، بينما تتداخل أشكال المباني التاريخية مع المنظر الطبيعي. وقد ذابت كلّ الأشكال الممكن تمييزها في ضوء الشمس المشرقة.
الرسّام تعامل مع القلعة ومع الأشكال الصلبة الأخرى كعناصر شفّافة من الضوء واللون. والقلعة نفسها رُسمت ملساء وناعمة وسائلة لدرجة أنها ذابت وتناثرت أسفل اللوحة.
لكن برغم أن تيرنر خلق بعض أهم تأثيراته الجوّية هنا، إلا أن المكان لا يبدو من السهل التعرّف عليه أو تمييزه. كما أن بنية التوليف نفسها تبدو كلاسيكية وصارمة.
في بداياته تبنّى الرسّام بالتدريج أسلوبا حرّا وأثيريا شبيها أحيانا بالتجريد. ولم يكن يعرض أعماله تلك على الجمهور، لأنها كانت تفتقر إلى التفاصيل وإلى اللمسات النهائية التي تجعلها مقبولة بحسب معايير الأكاديمية. وقد أسيء فهمه ورُفض من قبل نفس النقّاد الذين سبق وأن أعجبوا به طوال عقود.
بدأ تيرنر دراسته للرسم في الأكاديمية الملكية بلندن مع رسّامين آخرين كبار من أمثال جوشوا رينولدز وبول ساندباي. واجتذبت رسوماته الأولى اهتمام النقّاد والجمهور. وانعكس هذا إيجابا على أحواله المالية، فتمكّن من القيام بالعديد من الزيارات لانجلترا وويلز حيث رسم كثيرا من الأماكن والمعالم.
ثم زار فرنسا وسويسرا حيث اطلع فيهما على أعمال كبار المعلّمين مثل رمبراندت والبيرت كاب وكلود لوران. ويمكن ملاحظة تأثير الأخير بالذات على لوحات تيرنر المبكّرة مثل "الطاعون في مصر" وغيرها.
ويقال انه في تلك الفترة تقريبا وفي احد معارضه في الأكاديمية، سقطت قطعة من إحدى لوحاته على الأرض. وقد قلّل من أهمّية ما حدث قائلا إن الشيء المهم الوحيد هو انه ترك انطباعا. وقد تسبّبت تلك الملاحظة في إثارة دهشة الحضور. الناقد جون راسكن الذي كان صديقا مقرّبا لتيرنر وصف لوحاته بأنها انطباعات لما كان يراه بعقله وليست نتيجة تأمّلاته المباشرة.
وذات مرّة كان تيرنر في ضيافة راعيه والتر فوكس في يوركشاير عندما هبّت فجأة عاصفة رعدية بدّدت هدوء ذلك المساء. ثمّ ما لبث أن هطل المطر بقوّة. وبسرعة قام تيرنر ليرسم المطر الغزير والغيوم الثقيلة.
ثم قال لمضيفه: خلال سنتين من الآن سترى هذه الاسكتشات وقد تحوّلت إلى لوحة بعنوان "هانيبال يعبر جبال الألب". وفي عام 1812، عرض تيرنر لوحته الطموحة تلك بنفس ذلك العنوان والتي أصبحت مشهورة جدّا في ما بعد.
وقد شجّعه نجاحها عند عرضها على أن يرسم المزيد من المناظر التاريخية مثل لوحته "أفول امبراطورية قرطاج" وغيرها.
نمت شعبية تيرنر بعد ذلك بسرعة. وقد وجد في روما مواضيع جديدة ومناسبة لعبقريّته. عقليته المتفتّحة وجدت في ايطاليا عالما لم يخبره من قبل من الألوان والأضواء والأجواء. وقد زار تورينو وميلانو وفينيسيا ونابولي، ودرس أعمال الرسّامين العظام مثل تيشيان ورافائيل، كما التقى النحّات المشهور انطونيو كانوفا.
وفي السنة التالية عاد إلى انجلترا وصوّر ذكريات زيارته الايطالية التي تركت بصمتها على أعماله التالية مثل "المنتدى الروماني" أو لوحته الأخرى عن رافائيل وفورنارينا. ثمّ زار ايطاليا مرّة أخرى بعد ذلك بثمان سنوات. وابتداءً من مطلع ثلاثينات القرن التاسع عشر أصبح أسلوبه أكثر حرّية.
لوحته "شروق الشمس مع وحوش بحرية" هي احد أفضل الأمثلة على لوحاته الأخيرة، فأشكال وحوش البحر فيها من الصعب تمييزها وسط أجواء البحر. والضوء الذي يبدو محاطا بهالة من القداسة يعكس نظرية تيرنر التي تعتبر أن الشمس هي مركز الحياة كلّها.
أعمال الرسّام الأخيرة كانت تضجّ بالفوضى وقد انتُقدت باعتبارها أعمال رجل مجنون. ويقال انه حتى الملكة فيكتوريا رفضت أن تخلع عليه لقب فارس، وهو شرف ناله رسّامون اقلّ منه أهمية بكثير، لأنها كانت تعتبره بالفعل شخصا معتوها.
وكان من السهل وصف تيرنر بالمجنون أخذا في الاعتبار الظروف التي رافقت ولادته، فأمّه قضت أربع سنوات من حياتها في مشفى للأمراض العقلية. لكن التشوّش الذي ملأ لوحاته الأخيرة كان في الواقع نتيجة تطوّر فنّي معقّد سبق خلاله بعقود العديد من أبناء جيله.
كان تيرنر أكثر من مجرّد رسّام مناظر بحرية، بالرغم من أن عددا من أعظم انجازاته حقّقه من رسم مناظر البحر والماء. ذوبان الأشكال في لوحاته الأخيرة فُسّر من قبل نقّاد عديدين على انه بوادر الخرف. حتى راسكن أزعجته أعمال تيرنر تلك وكان ينصح بتثبيت مسامير على إطارات اللوحات لتشير إلى أجزائها العلوية والسفلية.
في أكتوبر من عام 1851، كان تيرنر يتعرّض لأزمة صحّية خطيرة. وبسببها نصحه الأطبّاء بالكفّ عن الرسم. وفي التاسع عشر من ديسمبر من ذلك العام توفّي في منزله في تشيلسي بلندن ودُفن جثمانه في كاثدرائية سينت بول.
ويمكن رؤية اكبر عدد من أعماله اليوم في جناح خاصّ يحمل اسمه في متحف تيت البريطاني.
ويُرجّح أن يكون قد رسم هذا المنظر كـ "اسكتش" للوحة كان يفكّر في رسمها في ما بعد. غير أن اللوحة تبدو لمعظم الناس اليوم لوحة كاملة وجميلة ومقبولة بهيئتها هذه. وثمّة احتمال بأن تيرنر كان يراها كذلك، وربّما كان قد رسمها من اجل إرضاء نفسه فحسب.
وفي السنوات التالية رسم نسخا أخرى من هذه اللوحة التي مثّلت ذروة افتتانه الذي رافقه طوال حياته بهذا المكان. كما أن اللوحة تُعتبر أحد أعظم أعماله في تصويرها للضوء والتأثيرات الجوّية.
الألوان النقيّة في المنظر أكثر من الألوان المتباينة وتعبّر عن الضوء المتألّق، بينما تتداخل أشكال المباني التاريخية مع المنظر الطبيعي. وقد ذابت كلّ الأشكال الممكن تمييزها في ضوء الشمس المشرقة.
الرسّام تعامل مع القلعة ومع الأشكال الصلبة الأخرى كعناصر شفّافة من الضوء واللون. والقلعة نفسها رُسمت ملساء وناعمة وسائلة لدرجة أنها ذابت وتناثرت أسفل اللوحة.
لكن برغم أن تيرنر خلق بعض أهم تأثيراته الجوّية هنا، إلا أن المكان لا يبدو من السهل التعرّف عليه أو تمييزه. كما أن بنية التوليف نفسها تبدو كلاسيكية وصارمة.
في بداياته تبنّى الرسّام بالتدريج أسلوبا حرّا وأثيريا شبيها أحيانا بالتجريد. ولم يكن يعرض أعماله تلك على الجمهور، لأنها كانت تفتقر إلى التفاصيل وإلى اللمسات النهائية التي تجعلها مقبولة بحسب معايير الأكاديمية. وقد أسيء فهمه ورُفض من قبل نفس النقّاد الذين سبق وأن أعجبوا به طوال عقود.
بدأ تيرنر دراسته للرسم في الأكاديمية الملكية بلندن مع رسّامين آخرين كبار من أمثال جوشوا رينولدز وبول ساندباي. واجتذبت رسوماته الأولى اهتمام النقّاد والجمهور. وانعكس هذا إيجابا على أحواله المالية، فتمكّن من القيام بالعديد من الزيارات لانجلترا وويلز حيث رسم كثيرا من الأماكن والمعالم.
ثم زار فرنسا وسويسرا حيث اطلع فيهما على أعمال كبار المعلّمين مثل رمبراندت والبيرت كاب وكلود لوران. ويمكن ملاحظة تأثير الأخير بالذات على لوحات تيرنر المبكّرة مثل "الطاعون في مصر" وغيرها.
ويقال انه في تلك الفترة تقريبا وفي احد معارضه في الأكاديمية، سقطت قطعة من إحدى لوحاته على الأرض. وقد قلّل من أهمّية ما حدث قائلا إن الشيء المهم الوحيد هو انه ترك انطباعا. وقد تسبّبت تلك الملاحظة في إثارة دهشة الحضور. الناقد جون راسكن الذي كان صديقا مقرّبا لتيرنر وصف لوحاته بأنها انطباعات لما كان يراه بعقله وليست نتيجة تأمّلاته المباشرة.
وذات مرّة كان تيرنر في ضيافة راعيه والتر فوكس في يوركشاير عندما هبّت فجأة عاصفة رعدية بدّدت هدوء ذلك المساء. ثمّ ما لبث أن هطل المطر بقوّة. وبسرعة قام تيرنر ليرسم المطر الغزير والغيوم الثقيلة.
ثم قال لمضيفه: خلال سنتين من الآن سترى هذه الاسكتشات وقد تحوّلت إلى لوحة بعنوان "هانيبال يعبر جبال الألب". وفي عام 1812، عرض تيرنر لوحته الطموحة تلك بنفس ذلك العنوان والتي أصبحت مشهورة جدّا في ما بعد.
وقد شجّعه نجاحها عند عرضها على أن يرسم المزيد من المناظر التاريخية مثل لوحته "أفول امبراطورية قرطاج" وغيرها.
نمت شعبية تيرنر بعد ذلك بسرعة. وقد وجد في روما مواضيع جديدة ومناسبة لعبقريّته. عقليته المتفتّحة وجدت في ايطاليا عالما لم يخبره من قبل من الألوان والأضواء والأجواء. وقد زار تورينو وميلانو وفينيسيا ونابولي، ودرس أعمال الرسّامين العظام مثل تيشيان ورافائيل، كما التقى النحّات المشهور انطونيو كانوفا.
وفي السنة التالية عاد إلى انجلترا وصوّر ذكريات زيارته الايطالية التي تركت بصمتها على أعماله التالية مثل "المنتدى الروماني" أو لوحته الأخرى عن رافائيل وفورنارينا. ثمّ زار ايطاليا مرّة أخرى بعد ذلك بثمان سنوات. وابتداءً من مطلع ثلاثينات القرن التاسع عشر أصبح أسلوبه أكثر حرّية.
لوحته "شروق الشمس مع وحوش بحرية" هي احد أفضل الأمثلة على لوحاته الأخيرة، فأشكال وحوش البحر فيها من الصعب تمييزها وسط أجواء البحر. والضوء الذي يبدو محاطا بهالة من القداسة يعكس نظرية تيرنر التي تعتبر أن الشمس هي مركز الحياة كلّها.
أعمال الرسّام الأخيرة كانت تضجّ بالفوضى وقد انتُقدت باعتبارها أعمال رجل مجنون. ويقال انه حتى الملكة فيكتوريا رفضت أن تخلع عليه لقب فارس، وهو شرف ناله رسّامون اقلّ منه أهمية بكثير، لأنها كانت تعتبره بالفعل شخصا معتوها.
وكان من السهل وصف تيرنر بالمجنون أخذا في الاعتبار الظروف التي رافقت ولادته، فأمّه قضت أربع سنوات من حياتها في مشفى للأمراض العقلية. لكن التشوّش الذي ملأ لوحاته الأخيرة كان في الواقع نتيجة تطوّر فنّي معقّد سبق خلاله بعقود العديد من أبناء جيله.
كان تيرنر أكثر من مجرّد رسّام مناظر بحرية، بالرغم من أن عددا من أعظم انجازاته حقّقه من رسم مناظر البحر والماء. ذوبان الأشكال في لوحاته الأخيرة فُسّر من قبل نقّاد عديدين على انه بوادر الخرف. حتى راسكن أزعجته أعمال تيرنر تلك وكان ينصح بتثبيت مسامير على إطارات اللوحات لتشير إلى أجزائها العلوية والسفلية.
في أكتوبر من عام 1851، كان تيرنر يتعرّض لأزمة صحّية خطيرة. وبسببها نصحه الأطبّاء بالكفّ عن الرسم. وفي التاسع عشر من ديسمبر من ذلك العام توفّي في منزله في تشيلسي بلندن ودُفن جثمانه في كاثدرائية سينت بول.
ويمكن رؤية اكبر عدد من أعماله اليوم في جناح خاصّ يحمل اسمه في متحف تيت البريطاني.