دانتي يقابل بياتريس في بونتي سانتا ترينيتا
للفنان البريطاني هنـري هـوليـداي، 1883
للفنان البريطاني هنـري هـوليـداي، 1883
هذه اللوحة الأيقونية هي أهمّ وأشهر أعمال الرسّام هنري هوليداي. وفكرتها مستلهمة من السيرة الذاتية لشاعر القرون الوسطى الايطالي دانتي الليغييري (1265-1321).
وفيها يصوّر الرسّام اللحظة المصيرية التي يقابل فيها دانتي ملهمته بياتريس بوتيناري على ضفاف نهر الآرنو في فلورنسا.
ونفس هذه اللحظة هي التي سبق لدانتي أن ذكرها بتفاصيل شعرية دقيقة في كتابه "لا فيتا نوفا" أو الحياة الجديدة.
كان الرسّام هوليداي مهتمّا كثيرا بدانتي. وكان قد رسم للشاعر وبياتريس لوحة أخرى قبل ذلك وهما طفلان أثناء لقاء لهما في حديقة والدها.
في اللوحة نرى منظرا لشارع في فلورنسا يقع في لوغارنو بمنطقة بونتي سانتا ترينيتا. هنا يقابل دانتي بياتريس التي تظهر مرتدية فستانا أصفر، ترافقها وصيفتاها جيوفانا بفستان أحمر ومونا فانا التي ترتدي فستانا ازرق.
دانتي يظهر في الجزء الأيمن من اللوحة وهو ينظر بخجل وارتباك، بينما تحوّل بياتريس نظرها بعيدا عنه. إنها تتجاهله ولا تردّ تحيّته بعد أن سمعت شائعات عن حبّه لنساء أخريات. والمرأتان الأخريان تحاولان قياس ردّ فعله على إعراض بياتريس عنه.
نظرات النساء وحركات أجسادهنّ تكفي لخلق قصّة درامية. وهذا التبادل البصريّ الذي يركّز بالأخصّ على نظرة الأنثى هو ما ألهم الشاعر بأن يبدأ احتفالية حبّه العظيم.
تذكر المصادر التاريخية أن بياتريس تزوّجت من رجل آخر، وتوفّيت بعد ثلاث سنوات من زواجها وهي في سنّ الرابعة والعشرين. وقد حزن عليها دانتي حزنا عظيما وظلّ مخلصا لها بقيّة حياته وبقيت على الدوام مصدر إلهامه الأوّل وذكرها في معظم أعماله الشعرية، مثل "الحياة الجديدة" و"الكوميديا الإلهية".
وأغلب الظن أن بياتريس لم تحبّ دانتي أبدا وماتت دون أن تقرأ حتى ولو سطر واحد من أشعاره فيها. ويبدو انه أحبّها من بعيد معظم حياته، وعلى الأرجح لم يتقابلا وجها لوجه.
في القرن الثالث عشر، كانت الزيجات المرتّب لها مسبقا هي القاعدة في فلورنسا، خاصّة بين أفراد الطبقات العليا التي كان ينتمي إليها كلّ من دانتي وبياتريس. لذا لم يكد الشاعر يبلغ سنّ الحادية والعشرين حتى تزوّج من فتاة تُدعى جيما دوناتي.
كان حبّ دانتي لبياتريس حبّا مثاليّا وصعب المنال لأنه كان قائما على الاحترام والإعجاب. وهي لم تكن تعلم شيئا عن عمق محبّته لها. ومع ذلك أصبحت هذه المرأة احد أشهر الشخصيّات في الأدب الكلاسيكيّ، بل وحقّقت خلودا أدبيّا نادرا برغم حياتها القصيرة.
يمكن القول أن هذه اللوحة تُعتبر إحدى أكثر الصور استنساخا في عصرها لأسباب من بينها أنها تُظهر امرأتين بملابس شبه شفّافة. وقد ركّز الرسّام التوليف على التعبيرات الأمامية للنساء الثلاث أثناء مرورهنّ من أمام الشاعر المتعفّف الواقف جانبيّا.
التعبيرات التمثالية والرزينة لبياتريس في اللوحة تتباين مع وقفة المرأتين الأخريين اللتين تبدوان وكأنهما تترقّبان ردّ فعل الشاعر. وواضح أنهما تتعاملان مع اللمحة العجلى لبياتريس كما لو أنها تنظر إلى معجب.
أما نظرات دانتي في اللوحة فقد تكون من بين أكثر النظرات إلهاما وأهميّة في تاريخ الأدب. غير أن الكتّاب والرسّامين على مرّ السنين اهتمّوا أكثر بتعبيرات النساء ونظرات عيونهنّ. في ذلك الوقت لم يكن مألوفا أن تحدّق النساء في الرجال بشيء من الاهتمام.
هذه اللوحة كانت نتيجة دراسة متأنّية للرسّام في فلورنسا التي سافر إليها عام 1881. وكان حريصا على تصوير الطابع الحضريّ للمدينة التي عاش فيها دانتي لكي تخرج اللوحة صحيحة ودقيقة من الناحية التاريخية.
ولهذا الغرض أعدّ مخطّطا للموضوع وبضع دراسات. كما أجرى بحثا للمكان، واكتشف أن لوغارنو كانت في القرن الثالث عشر مرصوفة بالطوب وكان فيها دكاكين ومحلات قام بتضمينها في اللوحة. كما اكتشف أن الجسر كان قد دمّره فيضان في عام 1235 بينما كان ما يزال تحت الإنشاء.
كانت تلك الزيارة مصدر إلهام له، إذ عرف كيف أن فنّاني عصر النهضة ارتادوا آفاقا جديدة وتحوّلوا عن النمط القوطي كي يعكسوا عصرهم.
وقد كتب هوليداي عن هذه الصورة في ما بعد يقول: لقد فُتنت بسحر وصف دانتي لحزنه عندما رفضت بياتريس ردّ تحيّته".
كانت بياتريس أكثر من مجرّد ملهمة بالنسبة للشاعر. كانت حبيبة مثالية؛ ذلك النوع من الحبّ الذي يسمو فوق رغبات الجسد. وقد تحدّث عنها في كتاباته. كانت بالنسبة له نوعا من الخلاص وتجسيدا للرحمة والعاطفة. وقد أصبحت في ما بعد دليله الخاصّ إلى الجنّة في كتابه "الكوميديا الإلهية".
قصّة دانتي وبياتريس ألهمت عددا كبيرا من الفنّانين. ومن أشهر هؤلاء الرسّام غابرييل روزيتي. كان دانتي شبحا في منزل روزيتي لأن والده كان، هو الآخر، خبيرا في سيرة حياة الشاعر. وكان الهاجس الذي رافق الأب طوال حياته هو العثور على آثار أو تلميحات ماسونية في أعمال دانتي.
في سنواته المبكّرة، كان روزيتي يعشق شكسبير ووالتر سكوت، لكن في ما بعد أصبح دانتي شيئا خاصّا جدّا بالنسبة له وموضوعا متكرّرا في رسوماته. وفي ما بعد قام بترجمة ديوان "الحياة الجديدة" إلى الانجليزية. وعلى ما يبدو كان يرى في قصّة حبّه لإليزابيث سيدال، الموديل التي تظهر في العديد من لوحاته، قصّة موازية لقصّة حبّ دانتي وبياتريس.
الفنّان هنري هوليداي ولد في لندن عام 1839، وأظهر منذ صغره ميلا واضحا للفنّ وتلقّى دروسا في الرسم على يد وليام توماس.
وقد تأثّر، مثل الكثيرين من أبناء جيله، بالرسّامين ما قبل الرافائيليين، وكان على اتصال مع جان فرانسوا ميليه وهولمان هنت وإدوارد بيرن جونز وروزيتي، كما كان صديقا للناقد جون راسكين الذي دعمه وشجّعه.
حضر هوليداي دروسا في أكاديمية لي. وفي عام 1855 تمّ قبوله في الأكاديمية الملكية.
في ما بعد، ذهب إلى سيلان في بعثة استكشافية، ثم إلى مصر التي رسم فيها سلسلة من اللوحات المائية عن الحضارة الفرعونية القديمة هناك.
وفيها يصوّر الرسّام اللحظة المصيرية التي يقابل فيها دانتي ملهمته بياتريس بوتيناري على ضفاف نهر الآرنو في فلورنسا.
ونفس هذه اللحظة هي التي سبق لدانتي أن ذكرها بتفاصيل شعرية دقيقة في كتابه "لا فيتا نوفا" أو الحياة الجديدة.
كان الرسّام هوليداي مهتمّا كثيرا بدانتي. وكان قد رسم للشاعر وبياتريس لوحة أخرى قبل ذلك وهما طفلان أثناء لقاء لهما في حديقة والدها.
في اللوحة نرى منظرا لشارع في فلورنسا يقع في لوغارنو بمنطقة بونتي سانتا ترينيتا. هنا يقابل دانتي بياتريس التي تظهر مرتدية فستانا أصفر، ترافقها وصيفتاها جيوفانا بفستان أحمر ومونا فانا التي ترتدي فستانا ازرق.
دانتي يظهر في الجزء الأيمن من اللوحة وهو ينظر بخجل وارتباك، بينما تحوّل بياتريس نظرها بعيدا عنه. إنها تتجاهله ولا تردّ تحيّته بعد أن سمعت شائعات عن حبّه لنساء أخريات. والمرأتان الأخريان تحاولان قياس ردّ فعله على إعراض بياتريس عنه.
نظرات النساء وحركات أجسادهنّ تكفي لخلق قصّة درامية. وهذا التبادل البصريّ الذي يركّز بالأخصّ على نظرة الأنثى هو ما ألهم الشاعر بأن يبدأ احتفالية حبّه العظيم.
تذكر المصادر التاريخية أن بياتريس تزوّجت من رجل آخر، وتوفّيت بعد ثلاث سنوات من زواجها وهي في سنّ الرابعة والعشرين. وقد حزن عليها دانتي حزنا عظيما وظلّ مخلصا لها بقيّة حياته وبقيت على الدوام مصدر إلهامه الأوّل وذكرها في معظم أعماله الشعرية، مثل "الحياة الجديدة" و"الكوميديا الإلهية".
وأغلب الظن أن بياتريس لم تحبّ دانتي أبدا وماتت دون أن تقرأ حتى ولو سطر واحد من أشعاره فيها. ويبدو انه أحبّها من بعيد معظم حياته، وعلى الأرجح لم يتقابلا وجها لوجه.
في القرن الثالث عشر، كانت الزيجات المرتّب لها مسبقا هي القاعدة في فلورنسا، خاصّة بين أفراد الطبقات العليا التي كان ينتمي إليها كلّ من دانتي وبياتريس. لذا لم يكد الشاعر يبلغ سنّ الحادية والعشرين حتى تزوّج من فتاة تُدعى جيما دوناتي.
كان حبّ دانتي لبياتريس حبّا مثاليّا وصعب المنال لأنه كان قائما على الاحترام والإعجاب. وهي لم تكن تعلم شيئا عن عمق محبّته لها. ومع ذلك أصبحت هذه المرأة احد أشهر الشخصيّات في الأدب الكلاسيكيّ، بل وحقّقت خلودا أدبيّا نادرا برغم حياتها القصيرة.
يمكن القول أن هذه اللوحة تُعتبر إحدى أكثر الصور استنساخا في عصرها لأسباب من بينها أنها تُظهر امرأتين بملابس شبه شفّافة. وقد ركّز الرسّام التوليف على التعبيرات الأمامية للنساء الثلاث أثناء مرورهنّ من أمام الشاعر المتعفّف الواقف جانبيّا.
التعبيرات التمثالية والرزينة لبياتريس في اللوحة تتباين مع وقفة المرأتين الأخريين اللتين تبدوان وكأنهما تترقّبان ردّ فعل الشاعر. وواضح أنهما تتعاملان مع اللمحة العجلى لبياتريس كما لو أنها تنظر إلى معجب.
أما نظرات دانتي في اللوحة فقد تكون من بين أكثر النظرات إلهاما وأهميّة في تاريخ الأدب. غير أن الكتّاب والرسّامين على مرّ السنين اهتمّوا أكثر بتعبيرات النساء ونظرات عيونهنّ. في ذلك الوقت لم يكن مألوفا أن تحدّق النساء في الرجال بشيء من الاهتمام.
هذه اللوحة كانت نتيجة دراسة متأنّية للرسّام في فلورنسا التي سافر إليها عام 1881. وكان حريصا على تصوير الطابع الحضريّ للمدينة التي عاش فيها دانتي لكي تخرج اللوحة صحيحة ودقيقة من الناحية التاريخية.
ولهذا الغرض أعدّ مخطّطا للموضوع وبضع دراسات. كما أجرى بحثا للمكان، واكتشف أن لوغارنو كانت في القرن الثالث عشر مرصوفة بالطوب وكان فيها دكاكين ومحلات قام بتضمينها في اللوحة. كما اكتشف أن الجسر كان قد دمّره فيضان في عام 1235 بينما كان ما يزال تحت الإنشاء.
كانت تلك الزيارة مصدر إلهام له، إذ عرف كيف أن فنّاني عصر النهضة ارتادوا آفاقا جديدة وتحوّلوا عن النمط القوطي كي يعكسوا عصرهم.
وقد كتب هوليداي عن هذه الصورة في ما بعد يقول: لقد فُتنت بسحر وصف دانتي لحزنه عندما رفضت بياتريس ردّ تحيّته".
كانت بياتريس أكثر من مجرّد ملهمة بالنسبة للشاعر. كانت حبيبة مثالية؛ ذلك النوع من الحبّ الذي يسمو فوق رغبات الجسد. وقد تحدّث عنها في كتاباته. كانت بالنسبة له نوعا من الخلاص وتجسيدا للرحمة والعاطفة. وقد أصبحت في ما بعد دليله الخاصّ إلى الجنّة في كتابه "الكوميديا الإلهية".
قصّة دانتي وبياتريس ألهمت عددا كبيرا من الفنّانين. ومن أشهر هؤلاء الرسّام غابرييل روزيتي. كان دانتي شبحا في منزل روزيتي لأن والده كان، هو الآخر، خبيرا في سيرة حياة الشاعر. وكان الهاجس الذي رافق الأب طوال حياته هو العثور على آثار أو تلميحات ماسونية في أعمال دانتي.
في سنواته المبكّرة، كان روزيتي يعشق شكسبير ووالتر سكوت، لكن في ما بعد أصبح دانتي شيئا خاصّا جدّا بالنسبة له وموضوعا متكرّرا في رسوماته. وفي ما بعد قام بترجمة ديوان "الحياة الجديدة" إلى الانجليزية. وعلى ما يبدو كان يرى في قصّة حبّه لإليزابيث سيدال، الموديل التي تظهر في العديد من لوحاته، قصّة موازية لقصّة حبّ دانتي وبياتريس.
الفنّان هنري هوليداي ولد في لندن عام 1839، وأظهر منذ صغره ميلا واضحا للفنّ وتلقّى دروسا في الرسم على يد وليام توماس.
وقد تأثّر، مثل الكثيرين من أبناء جيله، بالرسّامين ما قبل الرافائيليين، وكان على اتصال مع جان فرانسوا ميليه وهولمان هنت وإدوارد بيرن جونز وروزيتي، كما كان صديقا للناقد جون راسكين الذي دعمه وشجّعه.
حضر هوليداي دروسا في أكاديمية لي. وفي عام 1855 تمّ قبوله في الأكاديمية الملكية.
في ما بعد، ذهب إلى سيلان في بعثة استكشافية، ثم إلى مصر التي رسم فيها سلسلة من اللوحات المائية عن الحضارة الفرعونية القديمة هناك.