سيّدتان من فينيسيا
للفنّان الايطالي فيتوري كارباتشيو، 1490
للفنّان الايطالي فيتوري كارباتشيو، 1490
مثلما تخصّص إدوار كورتيز في رسم مظاهر الحياة في باريس في منتصف القرن الماضي، كان فيتوريو كارباتشيو متخصّصا في رسم فينيسيا وتصوير منازلها وميادينها وقنواتها المائية ووجوه الناس فيها.
وأنت تتأمّل مناظره لا بدّ وأن تلاحظ في لوحاته هذا الحبّ الجارف لعالم الماء وحالة البهجة التي يصوّر بها حياة هذه المدينة العائمة.
كانت فينيسيا زمن الرسّام مدينة متطوّرة جدّا ومركزا للتجارة والفنون. ومن الواضح أن نظرته إلى حياة المدينة المليئة بالتجاوزات والصخب كانت متسامحة إلى حدّ كبير. وبمعنى ما، يمكن اعتبار أعماله بمثابة بورتريه لعالم فينيسيا المتنوّع والفريد من نوعه.
في هذه اللوحة يرسم كارباتشيو امرأتين تجلسان بسكون في شرفة قصر وترتديان ملابس جميلة وقلادتين من الجواهر.
صورتا المرأة تكادان تكونان متطابقتين، من حيث شكل وطريقة وضع الملابس أو قصّة الشعر.
وإلى اليسار هناك طفل يلهو بين الأعمدة الرخامية، وطائر كبير وبضع حمامات، بالإضافة إلى كلبين أحدهما تداعبه إحدى المرأتين والآخر، الذي لا يظهر سوى رأسه في اللوحة، يمضغ طرف عصا بينما يثبّت احد قائميه فوق رسالة.
مؤرّخو الفنّ مختلفون في تفسير معنى هذه اللوحة. وهناك عدّة تفسيرات متباينة، وكلّ يقرأ المنظر من خلال دلالات الأشياء والتفاصيل. والحقيقة انه وعلى مدار قرون نُسجت حول هاتين المرأتين الحزينتين سمعة سيّئة. بعض المؤرّخين ذهبوا إلى أنهما من نساء الليل بسبب وجود منديل ابيض ولؤلؤ وحمام، وهي أشياء ترمز إلى العفّة.
والبعض الآخر قالوا أنهما لم تكونا فتاتي ليل، بل زوجتين تشعران بالملل وترتاحان في هذا المكان وتتواصلان بالكلام وتستمتعان بشمس النهار. بينما أشار آخرون إلى أن المرأتين من نساء القصر، وهي طبقة اجتماعية كانت معروفة خلال عصر النهضة الايطالي وكان يُحتفى بأفرادها آنذاك من خلال الرسم.
وهناك من لا يستبعد أن تكون اللوحة احتفالا بمناسبة زواج، والدليل على ذلك وجود الطاووس. فمنذ القدم كانت أنثى الطاووس رمزا للزواج السعيد، بينما الكلب كان وما يزال رمزا للإخلاص الزوجيّ.
لكن في أربعينات القرن الماضي، ظهر تفسير جديد للوحة عندما اكتُشف أنها ليست سوى جزء من لوحة اكبر، وكانت في الأصل عبارة عن جزأين كانا يشكّلان معا بابا قابلا للطيّ بأحد البيوت أو القصور. والجزء المفقود من اللوحة، والموجود اليوم في احد متاحف لوس انجيليس، يصوّر رجالا يصطادون في بحيرة.
الآثار الموجودة على اللوحتين توحي بأن إحداهما تصوّر طبيعة عالم الرجال أي الصيد، بينما الأخرى تصوّر عالم النساء في الحدائق وفي شرفات القصور.
في ذلك الوقت، كانت حسّية النساء صفة مرغوبة في زوجات فينيسيا الارستقراطيات. وهناك من يقول انه لو صحّ الافتراض بأن هذا هو عالم نساء فينيسيا النبيلات، فلا شكّ انه عالم ثريّ ومملّ في آن. إذ ليس هناك ما يفعلنه على ما يبدو سوى انتظار عودة رجالهن الذين يعملون في البحر.
في زمن الناقد والشاعر الانجليزي المشهور جون راسكن، أي في القرن التاسع عشر، كانت هذه اللوحة مشهورة جدّا بسبب العنوان الذي أعطاه لها ، أي "محظيّتا القصر". وكان راسكن يعتبرها إحدى أفضل اللوحات في العالم بسبب موسيقاها البصرية وأنماط الأشكال والألوان فيها.
الرسّام فيتوري كارباتشيو كان ممّن أتقنوا استخدام الألوان الزيتية في فينيسيا في القرن السادس عشر. وكان له تأثيره الواضح على كلّ من تيشيان وفيرونيزي.
ويُعتقد أنه ولد عام 1460 لأب يعمل في تجارة الجلود. كما يقال أنه تدرّب في استديو عائلة بيلليني. وقد تدنّت شعبية كارباتشيو قبل عشر سنوات من وفاته عندما وصل إلى فينيسيا رسّام شابّ جاء ليتعلّم على يد الأخوين بيلليني.
ولم يكن ذلك الرسّام سوى تيشيان. وانتهى الأمر بكارباتشيو أن اضطرّ للذهاب إلى الأقاليم البعيدة، حيث كان أسلوبه ما يزال يجتذب بعض المشترين والمعجبين.
وبعد موته نسيه الناس تماما تقريبا. لكن هذه الأيّام يُنظر إليه كرسّام فينيسي من القرن الخامس عشر لم يكن ينافسه في زمانه سوى جيوفاني بيلليني.
وأنت تتأمّل مناظره لا بدّ وأن تلاحظ في لوحاته هذا الحبّ الجارف لعالم الماء وحالة البهجة التي يصوّر بها حياة هذه المدينة العائمة.
كانت فينيسيا زمن الرسّام مدينة متطوّرة جدّا ومركزا للتجارة والفنون. ومن الواضح أن نظرته إلى حياة المدينة المليئة بالتجاوزات والصخب كانت متسامحة إلى حدّ كبير. وبمعنى ما، يمكن اعتبار أعماله بمثابة بورتريه لعالم فينيسيا المتنوّع والفريد من نوعه.
في هذه اللوحة يرسم كارباتشيو امرأتين تجلسان بسكون في شرفة قصر وترتديان ملابس جميلة وقلادتين من الجواهر.
صورتا المرأة تكادان تكونان متطابقتين، من حيث شكل وطريقة وضع الملابس أو قصّة الشعر.
وإلى اليسار هناك طفل يلهو بين الأعمدة الرخامية، وطائر كبير وبضع حمامات، بالإضافة إلى كلبين أحدهما تداعبه إحدى المرأتين والآخر، الذي لا يظهر سوى رأسه في اللوحة، يمضغ طرف عصا بينما يثبّت احد قائميه فوق رسالة.
مؤرّخو الفنّ مختلفون في تفسير معنى هذه اللوحة. وهناك عدّة تفسيرات متباينة، وكلّ يقرأ المنظر من خلال دلالات الأشياء والتفاصيل. والحقيقة انه وعلى مدار قرون نُسجت حول هاتين المرأتين الحزينتين سمعة سيّئة. بعض المؤرّخين ذهبوا إلى أنهما من نساء الليل بسبب وجود منديل ابيض ولؤلؤ وحمام، وهي أشياء ترمز إلى العفّة.
والبعض الآخر قالوا أنهما لم تكونا فتاتي ليل، بل زوجتين تشعران بالملل وترتاحان في هذا المكان وتتواصلان بالكلام وتستمتعان بشمس النهار. بينما أشار آخرون إلى أن المرأتين من نساء القصر، وهي طبقة اجتماعية كانت معروفة خلال عصر النهضة الايطالي وكان يُحتفى بأفرادها آنذاك من خلال الرسم.
وهناك من لا يستبعد أن تكون اللوحة احتفالا بمناسبة زواج، والدليل على ذلك وجود الطاووس. فمنذ القدم كانت أنثى الطاووس رمزا للزواج السعيد، بينما الكلب كان وما يزال رمزا للإخلاص الزوجيّ.
لكن في أربعينات القرن الماضي، ظهر تفسير جديد للوحة عندما اكتُشف أنها ليست سوى جزء من لوحة اكبر، وكانت في الأصل عبارة عن جزأين كانا يشكّلان معا بابا قابلا للطيّ بأحد البيوت أو القصور. والجزء المفقود من اللوحة، والموجود اليوم في احد متاحف لوس انجيليس، يصوّر رجالا يصطادون في بحيرة.
الآثار الموجودة على اللوحتين توحي بأن إحداهما تصوّر طبيعة عالم الرجال أي الصيد، بينما الأخرى تصوّر عالم النساء في الحدائق وفي شرفات القصور.
في ذلك الوقت، كانت حسّية النساء صفة مرغوبة في زوجات فينيسيا الارستقراطيات. وهناك من يقول انه لو صحّ الافتراض بأن هذا هو عالم نساء فينيسيا النبيلات، فلا شكّ انه عالم ثريّ ومملّ في آن. إذ ليس هناك ما يفعلنه على ما يبدو سوى انتظار عودة رجالهن الذين يعملون في البحر.
في زمن الناقد والشاعر الانجليزي المشهور جون راسكن، أي في القرن التاسع عشر، كانت هذه اللوحة مشهورة جدّا بسبب العنوان الذي أعطاه لها ، أي "محظيّتا القصر". وكان راسكن يعتبرها إحدى أفضل اللوحات في العالم بسبب موسيقاها البصرية وأنماط الأشكال والألوان فيها.
الرسّام فيتوري كارباتشيو كان ممّن أتقنوا استخدام الألوان الزيتية في فينيسيا في القرن السادس عشر. وكان له تأثيره الواضح على كلّ من تيشيان وفيرونيزي.
ويُعتقد أنه ولد عام 1460 لأب يعمل في تجارة الجلود. كما يقال أنه تدرّب في استديو عائلة بيلليني. وقد تدنّت شعبية كارباتشيو قبل عشر سنوات من وفاته عندما وصل إلى فينيسيا رسّام شابّ جاء ليتعلّم على يد الأخوين بيلليني.
ولم يكن ذلك الرسّام سوى تيشيان. وانتهى الأمر بكارباتشيو أن اضطرّ للذهاب إلى الأقاليم البعيدة، حيث كان أسلوبه ما يزال يجتذب بعض المشترين والمعجبين.
وبعد موته نسيه الناس تماما تقريبا. لكن هذه الأيّام يُنظر إليه كرسّام فينيسي من القرن الخامس عشر لم يكن ينافسه في زمانه سوى جيوفاني بيلليني.