طيف شخص مع طبق فاكهة على شاطئ
للفنان الإسباني سلفـادور دالــي، 1938
للفنان الإسباني سلفـادور دالــي، 1938
كان سلفادور دالي رسّاما رائدا وغريب الأطوار. وقد غيّر جذريّا مفهوم السوريالية. وعندما كان شابّا في بداية العشرينات كتب في مفكّرته يقول: قد يحتقرني الناس الآن ويسيئون فهمي. لكنّي سأصبح غدا شخصا عبقريّا وعظيما".
وقد تأثّر دالي بالرسّام جورجيو دي كيريكو وكذلك بواقعية ودقّة الرسّامين ما قبل الرفائيليين وبرسّامي فرنسا القرن التاسع عشر. ثم بدأ المزج بين عدّة أساليب وتقنيات فنّية مختلفة.
في هذه اللوحة، رسم دالي أربعة مشاهد ثم دمجها في صورة واحدة: رأس كلب، ووجه إنسان، ومنظر لصحراء تطلّ على البحر ومائدة عليها طبق من الفاكهة.
لكن لنلقِ أوّلا نظرة على التفاصيل بدءا من الجهة اليسرى. في هذا الجزء من اللوحة نرى امرأة تجلس وهي تعطي ظهرها للناظر بينما تشعل النار في موقد. وإلى جوار المرأة نلمح ثلاثة أشخاص احدهم يعزف على آلة موسيقية، بالإضافة إلى سلّة وقوقعة وماء.
وفي الجهة اليمنى من المنظر يحتشد عدة أشخاص، بينهم أطفال ورجال ونساء، وهم يقفون أمام تمثال ضخم لرجل اسود عار. وفي الوسط طبق فاكهة يشبه كأس النبيذ، وعلى الطاولة أيضا هناك حبل وقطعة قماش وكرات صغيرة. لكن العنصر المهيمن على الصورة هو منظر الكلب الضخم الذي يتمدّد على كامل مساحة اللوحة من اليمين إلى الشمال.
هذه هي العناصر الأوّلية في اللوحة أو ما يمكن أن تراه لأوّل وهلة. لكن بعد برهة ستكتشف أن اللوحة هي عبارة عن نوع من الخداع البصري. فالطاولة هي بنفس الوقت صحراء، والجسر في المنظر الطبيعي يتشكّل من ياقة الكلب، وطبق الفاكهة أو الكمثرى يتحوّل إلى وجه امرأة تتشكّل إحدى عينيها من صدفة والأخرى تأخذ شكل رأس شخص مستلق على الأرض.
وبإمكانك طبعا أن تحدّق في هذه اللوحة إلى ما لا نهاية وتكتشف بنفسك المزيد من الأشكال والتفاصيل والصور المزدوجة أو المتحوّلة.
دالي كان مفتونا بتحوّل الأشياء وعدم ثبات المظاهر. وقد أراد استدعاء عالم اللاوعي من خلال خلق هذا النوع من الصور ذات الطبقات المتعدّدة. لاحظ كيف أن تلاعبه بجزء صغير من تفصيل واحد أنتج تحوّلات وتجانبات مذهلة وغير متوقّعة. حتى ثمار الكمثرى تنبثق منها وجوه وملامح لأشخاص. وأيضا وكما في الحلم، هناك أشياء لا يمكن توقّعها مثل الحبل وقطعة القماش المرميتين بإهمال على الطاولة.
في معظم الصور من الماضي، كان كلّ شكل وكلّ لون يشير إلى شيء واحد فقط . في الطبيعة مثلا، كانت الضربات البنّية للفرشاة تنتج جذوع أشجار بينما يتولّد عن النقاط الخضراء أوراق شجر.. وهكذا.
وصورة دالي هذه تجسّد حقيقة أن فنّاني القرن العشرين، خاصّة السورياليين، لم يكونوا يقنعون بتصوير ما يرونه فقط، بل أرادوا أيضا توظيف الألوان والأشكال وحشدها معا لبناء صور متخيّلة.
وفكرة الرسّام هنا تتلخّص في أن كلّ شيء يمكن أن يمثّل عدّة أشياء معا في نفس الوقت، ما يدفع المتلقّي للتركيز على المعاني الممكنة والمتعدّدة لكلّ شكل ولون، تماما مثلما يركّز دارس اللغة على الوظائف المتعدّدة للكلمات والمعاني.
سيغموند فرويد كان الشخص الذي كان دالي يحترمه ويقدّره كثيرا في شبابه. وقد اعتبر فرويد أن 90 بالمائة من السورياليين مجانين. ورغم انه قابل دالي عام 1938، إلا أنه لم يقل شيئا عن ذلك اللقاء.
ومع ذلك يمكن اعتبار لوحات دالي، بشكل عام، جزءا لا يتجزّأ من سيرته الذاتية. وعالمه الداخلي وشطحاته وغرابة أطواره يمكن اكتشافها في تعبيراته الصورية التي كان يضمّنها بعضا من أحلامه وهلوساته، أو ما كان يسمّيه هو بالبارانويا النقدية.
وبعض من أرّخوا لحياة دالي وفنّه توقّفوا عند تاريخ عائلته في محاولة لتحليل شخصيّته. والده، واسمه سلفادور أيضا، كان رجلا محترما وصارما بنفس الوقت. وكان دالي يخافه طوال عمره ولم يجرؤ على معارضته إلا بعد أن ظهرت زوجته وملهمته غالا في حياته.
وأسلاف دالي كان يعيشون في شمال كاتالونيا، وهي منطقة في اسبانيا تتّصف برياحها العاصفة ومناخها البارد. ويُعتقد أن ذلك الطقس مسئول، ولو بنسبة ما، عن السلوك العصبي والغريب لبعض الناس الذين يعيشون في تلك المنطقة وعن كثرة حوادث الانتحار هناك.
المعروف أن سلفادور دالي بدأ عرض لوحاته في مدريد وهو شابّ. كان وقتها احد ابرز الرسّامين الواعدين. ثم زار باريس والتقى بيكاسو وميرو وإرنست وآخرين. وسرعان ما أصبح احد الأشخاص الروّاد في الحركة السوريالية.
وقد تأثّر دالي بالرسّام جورجيو دي كيريكو وكذلك بواقعية ودقّة الرسّامين ما قبل الرفائيليين وبرسّامي فرنسا القرن التاسع عشر. ثم بدأ المزج بين عدّة أساليب وتقنيات فنّية مختلفة.
في هذه اللوحة، رسم دالي أربعة مشاهد ثم دمجها في صورة واحدة: رأس كلب، ووجه إنسان، ومنظر لصحراء تطلّ على البحر ومائدة عليها طبق من الفاكهة.
لكن لنلقِ أوّلا نظرة على التفاصيل بدءا من الجهة اليسرى. في هذا الجزء من اللوحة نرى امرأة تجلس وهي تعطي ظهرها للناظر بينما تشعل النار في موقد. وإلى جوار المرأة نلمح ثلاثة أشخاص احدهم يعزف على آلة موسيقية، بالإضافة إلى سلّة وقوقعة وماء.
وفي الجهة اليمنى من المنظر يحتشد عدة أشخاص، بينهم أطفال ورجال ونساء، وهم يقفون أمام تمثال ضخم لرجل اسود عار. وفي الوسط طبق فاكهة يشبه كأس النبيذ، وعلى الطاولة أيضا هناك حبل وقطعة قماش وكرات صغيرة. لكن العنصر المهيمن على الصورة هو منظر الكلب الضخم الذي يتمدّد على كامل مساحة اللوحة من اليمين إلى الشمال.
هذه هي العناصر الأوّلية في اللوحة أو ما يمكن أن تراه لأوّل وهلة. لكن بعد برهة ستكتشف أن اللوحة هي عبارة عن نوع من الخداع البصري. فالطاولة هي بنفس الوقت صحراء، والجسر في المنظر الطبيعي يتشكّل من ياقة الكلب، وطبق الفاكهة أو الكمثرى يتحوّل إلى وجه امرأة تتشكّل إحدى عينيها من صدفة والأخرى تأخذ شكل رأس شخص مستلق على الأرض.
وبإمكانك طبعا أن تحدّق في هذه اللوحة إلى ما لا نهاية وتكتشف بنفسك المزيد من الأشكال والتفاصيل والصور المزدوجة أو المتحوّلة.
دالي كان مفتونا بتحوّل الأشياء وعدم ثبات المظاهر. وقد أراد استدعاء عالم اللاوعي من خلال خلق هذا النوع من الصور ذات الطبقات المتعدّدة. لاحظ كيف أن تلاعبه بجزء صغير من تفصيل واحد أنتج تحوّلات وتجانبات مذهلة وغير متوقّعة. حتى ثمار الكمثرى تنبثق منها وجوه وملامح لأشخاص. وأيضا وكما في الحلم، هناك أشياء لا يمكن توقّعها مثل الحبل وقطعة القماش المرميتين بإهمال على الطاولة.
في معظم الصور من الماضي، كان كلّ شكل وكلّ لون يشير إلى شيء واحد فقط . في الطبيعة مثلا، كانت الضربات البنّية للفرشاة تنتج جذوع أشجار بينما يتولّد عن النقاط الخضراء أوراق شجر.. وهكذا.
وصورة دالي هذه تجسّد حقيقة أن فنّاني القرن العشرين، خاصّة السورياليين، لم يكونوا يقنعون بتصوير ما يرونه فقط، بل أرادوا أيضا توظيف الألوان والأشكال وحشدها معا لبناء صور متخيّلة.
وفكرة الرسّام هنا تتلخّص في أن كلّ شيء يمكن أن يمثّل عدّة أشياء معا في نفس الوقت، ما يدفع المتلقّي للتركيز على المعاني الممكنة والمتعدّدة لكلّ شكل ولون، تماما مثلما يركّز دارس اللغة على الوظائف المتعدّدة للكلمات والمعاني.
سيغموند فرويد كان الشخص الذي كان دالي يحترمه ويقدّره كثيرا في شبابه. وقد اعتبر فرويد أن 90 بالمائة من السورياليين مجانين. ورغم انه قابل دالي عام 1938، إلا أنه لم يقل شيئا عن ذلك اللقاء.
ومع ذلك يمكن اعتبار لوحات دالي، بشكل عام، جزءا لا يتجزّأ من سيرته الذاتية. وعالمه الداخلي وشطحاته وغرابة أطواره يمكن اكتشافها في تعبيراته الصورية التي كان يضمّنها بعضا من أحلامه وهلوساته، أو ما كان يسمّيه هو بالبارانويا النقدية.
وبعض من أرّخوا لحياة دالي وفنّه توقّفوا عند تاريخ عائلته في محاولة لتحليل شخصيّته. والده، واسمه سلفادور أيضا، كان رجلا محترما وصارما بنفس الوقت. وكان دالي يخافه طوال عمره ولم يجرؤ على معارضته إلا بعد أن ظهرت زوجته وملهمته غالا في حياته.
وأسلاف دالي كان يعيشون في شمال كاتالونيا، وهي منطقة في اسبانيا تتّصف برياحها العاصفة ومناخها البارد. ويُعتقد أن ذلك الطقس مسئول، ولو بنسبة ما، عن السلوك العصبي والغريب لبعض الناس الذين يعيشون في تلك المنطقة وعن كثرة حوادث الانتحار هناك.
المعروف أن سلفادور دالي بدأ عرض لوحاته في مدريد وهو شابّ. كان وقتها احد ابرز الرسّامين الواعدين. ثم زار باريس والتقى بيكاسو وميرو وإرنست وآخرين. وسرعان ما أصبح احد الأشخاص الروّاد في الحركة السوريالية.