المُـلهِمـات
للفنان الفرنسي موريـس دونيـه، 1893
للفنان الفرنسي موريـس دونيـه، 1893
في نهايات القرن قبل الماضي، ظهرت في فرنسا حركة فنّية جديدة أطلق رموزها على أنفسهم اسم الأنبياء. وقد اختاروا هذا الاسم لأنهم كانوا يطمحون أن يأتوا بأشكال جديدة من الرسم والتعبير. كان موريس دونيه مؤسّس هذه الجماعة. وكان من أعضائها البارزين كلّ من ادوار فويار وبيير بونار.
كانت حركة الأنبياء تدعو إلى ربط الفنّ بالحياة والى المزاوجة المثالية بين الفنون البصرية والموسيقى والشعر والمسرح. وكانوا يولون اهتماما كبيرا بالألوان. كانوا، مثلا، يرون أن أهمّ جزء في اللوحة هو السطح المغطّى بمجموعة منظمّة من الألوان بما تثيره من إيقاع وتعبيرية وانفعال.
وفي مقابل اهتمامهم بالألوان وبساطة الأشكال وتوظيف الطبيعة للتعبير عن الحالات الانفعالية المختلفة، كان رموز هذه الحركة يغفلون المنظور وينكرون واقعية أواخر القرن التاسع عشر ويؤكّدون على ضرورة إلغاء الفوارق الفاصلة بين الرسم والزخرفة. ولهذا السبب ادخلوا الفنون الزخرفية على لوحاتهم ووظّفوا التطريز والأرابيسك وأسلوب الرسم الياباني في أعمالهم.
موريس دونيه كان أشهر رموز هذه الجماعة وأغزرهم إنتاجا وأكثرهم تأثيرا. وأهمية دونيه تتجاوز الرسم. فقد كان أيضا ناقدا ومنظّرا، وترك العديد من الكتابات التي تتناول وظيفة الرسم ودوره في المجتمع وفي الحياة.
كانت الجماعة تؤمن بقوّة الفنّ وقدرته على تغيير العالم. وكانوا يرون أن الفنّ لا يجب أن يكون واقعيا بل أداة ووسيلة للتعبير عن العاطفة والمزاج. كما كانت تكثر في رسوماتهم الرؤى التي تتحدّث عن السلام والهدوء والطمأنينة، كما لو أنها وسيلة للهرب من صخب وتشوّش الحياة المدنية الحديثة.
في هذه اللوحة، يرسم موريس دونيه موضوعا من الأدب الإغريقي، ولكن في سياق معاصر. ومن الملاحظ انه أعطى ملامح زوجته للملهمات الثلاث الرئيسيات اللاتي يظهرن في مقدّمة اللوحة ويرمزن للحبّ والدين والفنّ. وقد حدّد لكلّ منهنّ هيئة تناسب نوع الإلهام الذي يرتبط بها. كما رسم ملهمات أخريات وهنّ واقفات بين الأشجار.
اللوحة تغلب عليها الألوان الحمراء والصفراء والخضراء. وأرضية الحديقة تبدو زخارفها مثل سجّادة فارسية، بينما تكتسي أوراق الأشجار، هي الأخرى، طابعا زخرفيّاً.
كانت زوجة الرسّام، واسمها مارثا مورييه، حبيبته وملهمته. كانت، مثله، امرأة متديّنة. وكان يقول إن الله اختارها كي تهديه وتلهمه في الرسم. وقد ظهرت في العديد من لوحاته ورسمها في حالات وأوضاع مختلفة.
الظهور المتكرّر لـ مارثا في رسومات دونيه هو إعلان من طرفه بحبّه الكبير لها. وقد رسمها دائما بوجه هادئ وملامح وقورة. وهي في فنّه الأميرة والعذراء والمرأة النائمة في غابة سحرية. كان ذوقهما واحدا في الموسيقى والشعر. وهي كانت أيضا عازفة بيانو موهوبة. وكان من أصدقائهما كلّ من الموسيقيّ كلود ديبوسي ومالارميه وبول فاليري واندريه جيد. وقد ذهب دونيه بمعيّة الأخير عام 1895 إلى ايطاليا واطّلع على جمال روما. كما زار توسكاني وتأثّر بألوان وأضواء الريف الايطالي وبُهر بلوحات رافائيل ومايكل انجيلو.
وشكّلت تلك الزيارة بداية النهاية لـ الأنبياء. وأصبح دونيه يتبنّى أسلوبا أكثر كلاسيكية ثم لم يلبث أن فقد معظم جاذبيّته المبكّرة.
في لوحات دونيه صمت يثير التأمّل وحضور يذكّر بأجواء اركاديا، حيث المكان يوفّر للإنسان مهربا من مخاوف العالم الخارجي. كان الرسّام يعتقد أن للون والخط والشكل خصائص موسيقية وأنها يمكن أن توصل إحساسا بالإيقاع والتناغم. وقد استخدم هذه الأفكار في رسم لوحاته.
وهناك في أعماله ميزة أخرى تتمثّل في طابعها الديكوري والهادئ والبسيط. وهذه هي السمات التي كان يراها في لوحات بيير بوفي دو شافان الذي كان معجبا بأعماله وبأسلوبه.
في إحدى لوحاته المشهورة الأخرى، يرسم دونيه أسطورة اورفيوس ويوريديسي كي يصوّر من خلالها القوّة العظيمة للموسيقى والشعر وتأثيرهما على الطبيعة والإنسان. ومن أعماله الأخرى المعروفة أيضا سلسلة من أربع لوحات تتحدّث عن الفصول. لكن يمكن اعتبار اللوحات الأربع دراسة رمزية عن أربع لحظات مهمّة في حياة المرأة.
ولد موريس دونيه في النورماندي عام 1870م لعائلة ثريّة. أي انه يوفّر حالة نقيضة لنموذج الفنّان الفقير أو الجائع مثل فان غوخ أو بيكاسو. وقد تمتّع بدعم عائلته. بل واستطاع من خلال ريع لوحاته أن يعيل زوجته وأطفالهما الخمسة.
في سنّ الثالثة عشرة تلقى الفنّان دروسا في الرسم. كما كان يواظب على زيارة متاحف باريس، وخاصّة اللوفر. كان دونيه منذ صغره إنسانا متديّنا وعلى شيء من التصوّف. وكان من عادته أن يضفي على لوحاته بعدا روحيا. وأعماله المبكّرة تمتلئ بصور لنساء بوجوه بيضاء شاحبة يمشين في الغابات المقدّسة أو يلتقطن الأزهار والفواكه. كان دونيه يعتقد أن مهمّته تقديم الأفكار المثالية عن الله وعن الحبّ والعاطفة وتحويل كلّ شيء في الحياة اليومية إلى أعمال تضجّ بجمال غير عاديّ.
المعروف أن موريس دونيه عاش في فترة مضطربة من تاريخ فرنسا. وعاصر حربين عالميتين. وكان الطلب على لوحاته كبيرا، خاصّة في فترة ما بين الحربين الأولى والثانية.
وقد استمرّ يرسم حتى يوم وفاته في نوفمبر من عام 1943م متأثّرا بجروح أصيب بها إثر تعرّضه لحادث سيّارة في باريس.
وفي العام 1980 تمّ افتتاح متحف يحمل اسمه ويضمّ معظم أعماله.
كانت حركة الأنبياء تدعو إلى ربط الفنّ بالحياة والى المزاوجة المثالية بين الفنون البصرية والموسيقى والشعر والمسرح. وكانوا يولون اهتماما كبيرا بالألوان. كانوا، مثلا، يرون أن أهمّ جزء في اللوحة هو السطح المغطّى بمجموعة منظمّة من الألوان بما تثيره من إيقاع وتعبيرية وانفعال.
وفي مقابل اهتمامهم بالألوان وبساطة الأشكال وتوظيف الطبيعة للتعبير عن الحالات الانفعالية المختلفة، كان رموز هذه الحركة يغفلون المنظور وينكرون واقعية أواخر القرن التاسع عشر ويؤكّدون على ضرورة إلغاء الفوارق الفاصلة بين الرسم والزخرفة. ولهذا السبب ادخلوا الفنون الزخرفية على لوحاتهم ووظّفوا التطريز والأرابيسك وأسلوب الرسم الياباني في أعمالهم.
موريس دونيه كان أشهر رموز هذه الجماعة وأغزرهم إنتاجا وأكثرهم تأثيرا. وأهمية دونيه تتجاوز الرسم. فقد كان أيضا ناقدا ومنظّرا، وترك العديد من الكتابات التي تتناول وظيفة الرسم ودوره في المجتمع وفي الحياة.
كانت الجماعة تؤمن بقوّة الفنّ وقدرته على تغيير العالم. وكانوا يرون أن الفنّ لا يجب أن يكون واقعيا بل أداة ووسيلة للتعبير عن العاطفة والمزاج. كما كانت تكثر في رسوماتهم الرؤى التي تتحدّث عن السلام والهدوء والطمأنينة، كما لو أنها وسيلة للهرب من صخب وتشوّش الحياة المدنية الحديثة.
في هذه اللوحة، يرسم موريس دونيه موضوعا من الأدب الإغريقي، ولكن في سياق معاصر. ومن الملاحظ انه أعطى ملامح زوجته للملهمات الثلاث الرئيسيات اللاتي يظهرن في مقدّمة اللوحة ويرمزن للحبّ والدين والفنّ. وقد حدّد لكلّ منهنّ هيئة تناسب نوع الإلهام الذي يرتبط بها. كما رسم ملهمات أخريات وهنّ واقفات بين الأشجار.
اللوحة تغلب عليها الألوان الحمراء والصفراء والخضراء. وأرضية الحديقة تبدو زخارفها مثل سجّادة فارسية، بينما تكتسي أوراق الأشجار، هي الأخرى، طابعا زخرفيّاً.
كانت زوجة الرسّام، واسمها مارثا مورييه، حبيبته وملهمته. كانت، مثله، امرأة متديّنة. وكان يقول إن الله اختارها كي تهديه وتلهمه في الرسم. وقد ظهرت في العديد من لوحاته ورسمها في حالات وأوضاع مختلفة.
الظهور المتكرّر لـ مارثا في رسومات دونيه هو إعلان من طرفه بحبّه الكبير لها. وقد رسمها دائما بوجه هادئ وملامح وقورة. وهي في فنّه الأميرة والعذراء والمرأة النائمة في غابة سحرية. كان ذوقهما واحدا في الموسيقى والشعر. وهي كانت أيضا عازفة بيانو موهوبة. وكان من أصدقائهما كلّ من الموسيقيّ كلود ديبوسي ومالارميه وبول فاليري واندريه جيد. وقد ذهب دونيه بمعيّة الأخير عام 1895 إلى ايطاليا واطّلع على جمال روما. كما زار توسكاني وتأثّر بألوان وأضواء الريف الايطالي وبُهر بلوحات رافائيل ومايكل انجيلو.
وشكّلت تلك الزيارة بداية النهاية لـ الأنبياء. وأصبح دونيه يتبنّى أسلوبا أكثر كلاسيكية ثم لم يلبث أن فقد معظم جاذبيّته المبكّرة.
في لوحات دونيه صمت يثير التأمّل وحضور يذكّر بأجواء اركاديا، حيث المكان يوفّر للإنسان مهربا من مخاوف العالم الخارجي. كان الرسّام يعتقد أن للون والخط والشكل خصائص موسيقية وأنها يمكن أن توصل إحساسا بالإيقاع والتناغم. وقد استخدم هذه الأفكار في رسم لوحاته.
وهناك في أعماله ميزة أخرى تتمثّل في طابعها الديكوري والهادئ والبسيط. وهذه هي السمات التي كان يراها في لوحات بيير بوفي دو شافان الذي كان معجبا بأعماله وبأسلوبه.
في إحدى لوحاته المشهورة الأخرى، يرسم دونيه أسطورة اورفيوس ويوريديسي كي يصوّر من خلالها القوّة العظيمة للموسيقى والشعر وتأثيرهما على الطبيعة والإنسان. ومن أعماله الأخرى المعروفة أيضا سلسلة من أربع لوحات تتحدّث عن الفصول. لكن يمكن اعتبار اللوحات الأربع دراسة رمزية عن أربع لحظات مهمّة في حياة المرأة.
ولد موريس دونيه في النورماندي عام 1870م لعائلة ثريّة. أي انه يوفّر حالة نقيضة لنموذج الفنّان الفقير أو الجائع مثل فان غوخ أو بيكاسو. وقد تمتّع بدعم عائلته. بل واستطاع من خلال ريع لوحاته أن يعيل زوجته وأطفالهما الخمسة.
في سنّ الثالثة عشرة تلقى الفنّان دروسا في الرسم. كما كان يواظب على زيارة متاحف باريس، وخاصّة اللوفر. كان دونيه منذ صغره إنسانا متديّنا وعلى شيء من التصوّف. وكان من عادته أن يضفي على لوحاته بعدا روحيا. وأعماله المبكّرة تمتلئ بصور لنساء بوجوه بيضاء شاحبة يمشين في الغابات المقدّسة أو يلتقطن الأزهار والفواكه. كان دونيه يعتقد أن مهمّته تقديم الأفكار المثالية عن الله وعن الحبّ والعاطفة وتحويل كلّ شيء في الحياة اليومية إلى أعمال تضجّ بجمال غير عاديّ.
المعروف أن موريس دونيه عاش في فترة مضطربة من تاريخ فرنسا. وعاصر حربين عالميتين. وكان الطلب على لوحاته كبيرا، خاصّة في فترة ما بين الحربين الأولى والثانية.
وقد استمرّ يرسم حتى يوم وفاته في نوفمبر من عام 1943م متأثّرا بجروح أصيب بها إثر تعرّضه لحادث سيّارة في باريس.
وفي العام 1980 تمّ افتتاح متحف يحمل اسمه ويضمّ معظم أعماله.