وقـت للموسيقـى
للفنان الفرنسي لـوي جوستـان ايكـارت، 1934
في لوحات ايكارت نلمس بوضوح تأثيرات من مونيه وديغا وأحيانا غوستاف مورو. غير أن من الصعب تصنيفه ضمن الحركات الفنّية الحديثة التي كانت سائدة في ذلك الوقت، إذ لم يُعرف عنه تعاطفه أو انجذابه إلى أيّ منها.
وأعماله بشكل عام تقدّم صورة لما كانت عليه باريس ونيويورك في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي. ومشاهده الباريسية، خاصّة، يمكن اعتبارها توثيقا لطبيعة وأسلوب الحياة في فرنسا في ذلك الوقت.
كان ايكارت متخصّصا في رسم النساء الارستقراطيات. ومن خلال ذلك كان يحاول الإمساك بجوهر الأنوثة. والنساء يظهرن في لوحاته مرتديات ملابس فخمة واكسسوارات أنيقة وهنّ يتّكئن على أرائك وثيرة أو يخطين خارج عرباتهنّ أو يهمسن في أذن صديق على العشاء أو يمشين برفقة كلابهنّ، بينما تفيض وجوههنّ بالصحّة والنضارة .
في هذه اللوحة يرسم ايكارت أربع نساء يتدرّبن على عزف الموسيقى داخل غرفة. ألوان ملابس النساء ناعمة ومتناغمة مع ألوان ديكور المكان الذي يجلسن فيه. توزيع الضوء والظلّ في اللوحة يضيف إلى المشهد إحساسا بالرومانسية والرقّة. وملامح الوجوه هنا تذكّر إلى حدّ ما بملامح النساء اللاتي يظهرن في لوحات تمارا دي ليمبتسكا.
وعندما تتمعّن في هذه الصورة لا بدّ وأن تستنتج أن هؤلاء النساء يعشن في عالم بلا أطفال ولا ينشغلن بأداء أعمال منزلية روتينية من قبيل ما تفعله معظم النساء عادة.
كان ايكارت يعرف كيف ينظر إلى المرأة، ومن ثم يوصل فكرته أو انطباعه إلى الورق. كما انه لم يكن يستغلّ النساء كما فعل رسّامو القرن العشرين عندما جردّوها من ملابسها.
ولد لوي جوستان ايكارت في تولوز بجنوب فرنسا التي كانت حاضنة للكثير من الأدباء والفنّانين في ذلك الوقت. وكانت اهتماماته عديدة ومتنوّعة. فمنذ صغره أبدى اهتماما بالموضة والأزياء. كما كان يعرف في الكيمياء وفي تقنيّات الصقل. وقد وظّف هذه المعرفة في رسم لوحاته ومن ثمّ معالجتها كيميائيا ثمّ نقلها إلى أطباق النحاس كي ينتج النوعية التي يريدها.
كانت لوحاته مشهورة جدّا في زمانه وكان الطلب عليها كبيرا، خاصّة من قبل جامعي التحف الفنّية. وفي أمريكا ألهمت رسوماته قصائد شعر وروايات وكانت تروق للباحثين عن تحف فنّية نادرة من الأمريكيين. لذا عرف الرسّام الغنى في حياته وكوّن ثروة كبيرة. وفي عام 1914 التقى إحدى أجمل العارضات في باريس ثم أصبحت زوجته وملهمته خلال ما تبقّى من حياته.
في تلك الفترة، أي في مطلع عشرينات القرن الماضي، ظهر لأوّل مرّة مصطلح الفنّ الديكوري الذي أصبح ايكارت احد رموزه المهمّة.
وقد خدم الرسّام في جيش بلاده أثناء الحرب العالمية الأولى، لكنّه كان يركّز على الرسم، لا على فنون الحرب. وبعد انتهاء الحرب افتتح له محترفا في باريس وبدأ يبيع لوحاته على أفراد ينتمون غالبا إلى طبقة النخبة.
تصوير ايكارت للنساء حسّي لكنه لم يكن يخلو من روح المرح والدعابة أحيانا.
كما أن بعض لوحاته حالمة جدّا وبعضها الآخر مستفزّة نوعا ما.
بعد عام 1940 تحوّل الرسّام إلى مواضيع أكثر جدّية فرسم لوحات تصوّر فظائع الاحتلال النازي لـ باريس.
وما تزال أعماله من بين أكثر ما يطلبه جامعو التحف الفنّية. لكن المشكلة أن أكثر لوحاته المتوفّرة اليوم مزيّفة وليست أصيلة.
ومع تجدّد الاهتمام بالفنّ الديكوري، انتعش الطلب على أعماله كما ألّف كتاب عن حياته وفنّه.