آنيـة الخـزف
للفنّان الصيني تشـي تشـويـو، 1979
بلغ من شهرة هذه اللوحة وانتشارها انه بيع منها داخل الصين وخارجها أكثر من عشرة ملايين نسخة.
وبسبب انتشارها الكبير دخلت اللوحة تاريخ الفنّ الصيني من أوسع أبوابه. وهي مألوفة جدّا، مع أن الكثيرين لا يعرفون اسم الفنّان الذي رسمها.
وإلى هذه اللوحة بالذات يعود الفضل في شهرة الرسام تشي تشويو. لكنّها في نفس الوقت سبّبت له العديد من المشاكل، بسبب تعرّضها للقرصنة والتزوير واستنساخها بكمّيات كبيرة وبشكل غير قانوني، في ظلّ عدم وجود قانون في الصين يحمي الحقوق الفكرية في ذلك الوقت.
لوحات تشويو تستمدّ مواضيعها وأفكارها من أساليب الرسم الصين الكلاسيكي مع مزجها ببعض الأساليب الغربية.
ومعظم لوحات الرسّام تصوّر نساءً صينيات حديثات، مع خلفيات من مناظر الطبيعة. والنساء في لوحاته يبدين على قدر من الجمال والبساطة والنبل والأناقة، وأحيانا البراءة.
وغالبا ما يضيف الرسّام إلى مناظره عناصر غربية كي يجعلها أكثر تقبّلا لدى المتلقّي الغربي.
ومن الواضح انه يولي عناية فائقة للألوان والتباينات، بالإضافة إلى اهتمامه بإعادة تشكيل الشعر والملابس والاكسسوارات التي يضمّنها لوحاته في محاولة للمزاوجة بين الأذواق الكلاسيكية والحديثة. لكنّه في جميع الأحوال يُبقي على الملامح الصينية الصميمة لنسائه.
ولد تشي تشويو عام 1961 في مدينة غواندونغ وتخرّج من كلّية الفنون الجميلة في غوانزو. وفي ما بعد، درس على يد أشهر الرسّامين في هونغ كونغ والصين. كما عرض لوحاته في تايوان وسنغافورا وأمريكا وفرنسا وعمل محاضرا وأستاذا جامعيا في العديد من الجامعات الصينية والأمريكية.
وتشويو نموذج للفنّان الذي لا تنفصل حياته عن فنّه. وهناك من يشبّه لوحاته بالشعر الكلاسيكيّ الصيني. وقد حاز شهرة عالمية هي نتاج سنوات طويلة من الاكتشاف والممارسة والبحث الدائم عن الكمال.
في هذه اللوحة يرسم تشويو فتاة عارية جزئيا وذات شعر اسود وهي تحمل آنيّة فخّارية وتنظر إلى البعيد، بينما يبدو خلفها منظر لبحر وصخور.
اهتمام الرسّام بتعبيرات الوجه وتفاصيل الملابس والألوان واضح. وهناك أيضا طريقته البارعة في تمثيل الماء والأمواج والصخور. ملامح الفتاة نفسها لا تخلو من براءة. وما يعمّق هذا الإحساس نظراتها التي لا تخلو من تأمّل وحزن.
استُخدمت هذه اللوحة في العديد من الإعلانات كما وُضعت في الفنادق والبارات وصالونات التجميل والمطاعم. وفي بعض الأحيان أخضعت الصورة لعمليات مونتاج استُبدلت فيها الجرّة بلوازم كهربائية أو بثمار فاكهة وألبست المرأة حمّالات صدر.
تشي تشويو لا يرسم جمال المرأة فحسب، بل يستحضر عالمها الداخلي إلى لوحاته. وبشكل عام، يمكن اعتبار لوحاته دراسة بصرية للتحوّلات الاجتماعية التي مرّت بها المراكز الحضرية في الصين منذ الثورة الثقافية التي كان الرسّام معاصرا لها.
كما يمكن القول إن هذه اللوحات تحكي عن قوة وسيرورة الزمن. فالمنظر الصحراوي الذي يختاره خلفيّة للوحة ربّما كان ذات يوم مرجا أو سهلا اخضر، أو العكس.
تشي تشويو، على الرغم من شهرته، شخص عُرف ببساطته وتواضعه. فهو لا يدخّن ولا يشرب الكحول ولا يقتني سيّارة ولا منزلا فارها. وهاجسه الوحيد ظلّ على الدوام غموض المرأة ومحاولة رسمها بصورة قريبة من الكمال.
وممّا يلفت الانتباه حبّ الرسّام الجارف للشعر والموسيقى. ربّما لهذا السبب يتعمّد اختيار أسماء شاعرية للوحاته مثل مسافرة، حلم، الإوزّة الصغيرة، طريق الحرير، وفتاة من الجنوب.
موضوع ذو صلة: الصين الجميلة