أزهـار خشخـاش شـرقـي
للفنانة الأمريكية جـورجـيـا اوكِـيـف، 1928
كانت جورجيا اوكيف رسّامة حداثية رائدة. وقد عُرفت بأسلوبها المتفرّد الذي يتحدّى كلّ قواعد الرسم المعروفة.
كما أنها أعطت تعريفا جديدا لمعنى الرسم الأمريكي الحديث. وبسبب مقدرتها، اكتسب الرسم الأمريكي الشهرة والاعتراف في أوربّا وفي غيرها من الأماكن.
كانت الأزهار بالنسبة لـ اوكيف مصدر فتنة خاصّة، كما كانت موضوعا مفضّلا في الكثير من لوحاتها. وعندما رسمت هذه اللوحة، اعتبرها الكثيرون عملا ثوريا وتحفة فنّية. وبكلماتها هي، كانت هذه اللوحة نتاجا لما أدركته بعقلها وأحسّته بقلبها.
وقد رسمت الفنّانة في اللوحة زهرتي خشخاش كبيرتين تتفجّر منهما الألوان البرّاقة والساطعة معطية تأثيرا جميلا ومذهلا. واستخدمت في اللوحة اللونين الأحمر والبرتقالي كلونين رئيسيين للبتلات، بينما اختارت للأطراف والحواشي اللون الأرجواني الداكن.
التظليل البارع واللمسات المخملية على البتلات تضفي على الأزهار حيوية وواقعية. واللوحة تبدو أشبه ما تكون بصورة فوتوغرافية. ومن الواضح أن اوكيف اختارت أن ترسم الأزهار في لقطة مقرّبة ومن دون خلفية كي تركّز انتباه الناظر على الأزهار نفسها.
كانت جورجيا اوكيف تعتقد أن الوتيرة المتسارعة لحياة الناس تجعلهم يكتفون بإلقاء نظرة سريعة على الأزهار دون أن يتمعّنوا فيها بما يكفي لتأمّل خصائصها الطبيعية والجمالية.
وكانت تتمنّى أن تمنح الناس الذين يتوقّفون عند المظاهر السطحية الخبرة والإحساس بالجمال الحقيقي للأزهار.
وقد نُقل عنها قولها ذات مرّة: لو رسمت الأزهار بحجمها الطبيعي، أي مثلما تبدو عليه في الطبيعة، لما رأى احد ما أراه فيها. لذا قرّرت أن ارسمها بطريقة مكبّرة. وسيندهش الناس عندما ينظرون إليها بتمعّن، إذ قد يرون في الأزهار ما أراه أنا فيها".
استخدام اوكيف للألوان الفاقعة كانت تريد منه إذهال الناس وتعريفهم بعجائب وسحر الطبيعة. وقد تمكّنت من خلال هذه اللوحة من الإمساك بجوهر الخشخاش بطريقة بارعة ومقنعة.
وهناك اليوم من النقاد من يعتقد أن الأزهار التي رسمتها اوكيف تلخّص ردّ فعلها على تكنولوجيا الصور المقرّبة التي تبنّاها زوجها المصوّر الفوتوغرافي المشهور الفريد ستيغليتز. غير أن هناك من يقول إن الرسّامة وظفت تقنيّات التصوير في لوحاتها مثل القطع والتقريب والتكبير حتى قبل ظهور تكنولوجيا الأفلام الملوّنة التي نعرفها اليوم.
التمثيل الجميل للزهرتين أثار في حينه موجة إعجاب واسعة واعتُبرت اللوحة واحدة من لوحات اوكيف الخالدة.
وإجمالا فإن صور اوكيف عن الأزهار تُعتبر من أشهر لوحاتها. وقد تحدّث النقّاد في العديد من المناسبات عن الأفكار التي كانت تضمّنها أعمالها مثل دورة الميلاد والحياة والموت وقابلية الأشياء للفناء. لكن كان هناك من رأوا في تلك الأزهار رموزا للجنس والأعضاء الأنثوية. كانت جورجيا اوكيف تراقب وترسم الطبيعة بطريقتها الخاصّة. وكان أسلوبها الفنّي نابعا من رؤيتها الشخصيّة. كما كان لقراءتها كتاب كاندينسكي "الروحانية في الفنّ" اثر كبير في تعزيز قناعتها في ضرورة أن تفعل شيئا شخصيّا ومختلفا عمّا يفعله الآخرون.
الأزهار ظلّت مثار افتتان البشر منذ القدم. واستُخدمت لأغراض الزينة والزخرفة ولروائحها وألوانها وجمالها. كما كانت دائما موضوعا للقصائد والأساطير وكانت النساء يتسمّين على أسماء بعضها. وللأزهار ارتباطاتها ورموزها الدينية والروحية كما هو معروف. بعضها يرمز للحبّ أو الزواج والبعض الآخر للنقاء أو الطهر، إلى آخره.
ولأزهار الخشخاش الحمراء، بشكل خاصّ، رمزيّتها في الحياة والفنّ. فقد أصبحت شعارا شعبيّا للحياة الريفية ولفصل الصيف. ولوقت طويل، استُخدمت للأغراض الطبّية والدوائية. وبسبب خواصّها المخدّرة والمنوّمة فإنها تُستخدم كرمز للنوم والنسيان أو اللامبالاة.
وفي الأساطير الرومانية فإن إله النوم يظهر متوّجاً بأزهار الخشخاش أو محاطا بها. وفي الفنّ المسيحي يُستخدم الخشخاش في تصوير آلام المسيح ورمزا للنوم أو الموت.
زهرة الخشخاش معروفة بهشاشتها وضعفها الطبيعي. لذا تستعصي على التنسيق لأنها تجفّ وتذبل بسرعة. غير أن أحدا لا ينكر جاذبية وجمال ألوانها المتناسقة والبديعة.
ولهذا السبب أصبحت حقول الخشخاش موتيفاً مفضّلا عند الرسّام الفرنسي كلود مونيه. وبفضل مونيه، أصبح الخشخاش فكرة رائجة في الرسم منذ ظهور المدرسة الانطباعية. وهناك من يعتبر لوحتيه اللتين رسمهما لأزهار الخشخاش من أعظم الأعمال الفنّية الكلاسيكية. وقد رسم فيهما زوجته وابنيه الكبيرين وهم يجلسون في حقل جميل مملوء بأزهار الخشخاش الحمراء الفاقعة.
ومن أشهر من رسم أزهار الخشخاش أيضا كلّ من فان غوخ وإميل فيرنون وروبرتو لومباردي وغيرهم.