الجـواد الأبيـض
للفنان الأمريكي جـورج بيـلـوز، 1922
عندما يُذكر اسم جورج بيلوز فإن أوّل ما يخطر بالذهن هو سلسلة لوحاته الضخمة التي تصوّر مباريات الملاكمة التي تتسّم بأجوائها المظلمة وبما تثيره من إحساس قويّ بالحيوية والقوّة والحركة.
هذه اللوحات أصبحت علامة فارقة في تاريخ الرسم. لكن بيلوز مشهور أيضا بلوحاته التي تصوّر جوانب من حياة الطبقة العاملة في نيويورك والتي يسخر في بعضها من أسلوب عيش الطبقات الثريّة والمرفّهة.
وفي إحدى الفترات، رسم مجموعة من اللوحات التي يصوّر فيها نيويورك وهي مكلّلة بالثلوج والبرَد. وقد اثبت من خلال تلك اللوحات براعته في التعامل مع تأثيرات الضوء وتباين الألوان الناتج عن امتدادات الثلج فوق الأسطح الداكنة لمباني المدينة.
الجواد الأبيض هي إحدى لوحات بيلوز الجميلة والمتميّزة. وقد رسمها قبل عامين من موته المأساوي وهو ما يزال في سنّ الثانية والأربعين. واللوحة تصوّر جانبا من مزرعة في نيويورك كان الفنّان يقضي فيها أشهر الصيف مع عائلته. وكان قد شيّد في تلك البقعة بيتا ومحترفا.
المنظر يمنح إحساسا غامضا بالخريف من خلال استخدام الألوان القويّة والتأثيرات الدراماتيكية لمنظر السحب الكثيفة. ومع ذلك لا يخلو هذا المنظر من لمسة شاعرية تعمّقها السمات شبه التعبيرية والتجريدية للوحة.
ولد جورج بيلوز في اوهايو ودرس في جامعتها ثم أصبح لاعب كرة سلّة محترفا. لكنّه كان يظهر ميلا للفنون والرسم. ومن اجل هذه الغاية انتقل إلى نيويورك حيث انتظم في رابطة طلبة الفنّ فيها.
موهبة بيلوز المبكّرة أدّت إلى تنامي مكانته وشهرته في أمريكا. كما أحدثت تغييرات مهمّة في حياته وعمله. وبدأ يعرف طريقه إلى الطبقات الاجتماعية الميسورة التي كانت تكلّفه برسم بوروتريهات لأفرادها.
بعض النقّاد اليوم يشيرون إلى بيلوز باعتباره احد أكثر الرسّامين الأمريكيين موهبة في الربع الأول من القرن الماضي. وبالإضافة إلى مناظره القويّة والمعبّرة عن نيويورك وتلك التي رسمها لأشخاص يتصارعون، تميّز بيلوز أيضا برسم الطبيعة والبورتريه.
كان الرسّام يعشق الرياضة كثيرا ولطالما اظهر حرصه على مشاهدة مباريات الملاكمة وسجّل أحداثها في العديد من لوحاته. ويمكن القول إن لوحاته بشكل عام توصل إحساسا رياضيا، من خلال ميله لوضع الطلاء السميك والاستخدام التعبيري للون والضوء بطريقة تضفي على مشاهده جوّا من الحيويّة والحركة.
ومن أجمل أعماله الأخرى اللوحة المسمّاة حبّ الشتاء والتي رسم فيها مجموعة من الرجال والنساء والأطفال وهم يلهون في طبيعة ثلجية على أطراف إحدى التلال.
في نهايات حياته انضمّ الرسّام إلى جماعة من الفنّانين الراديكاليين الذين كانوا يميلون إلى الفوضوية في دعوتهم المتطرّفة للحقوق الفردية.
كان بيلوز يؤمن بأن الحرّية الفنّية تسمو فوق الايدولوجيا. وقد أخذ عليه الكثيرون دعمه للتدخّل الأمريكي في الحرب العالمية الأولى عندما رسم مجموعة من اللوحات التي صوّر فيها الفظائع التي ارتكبها الألمان أثناء غزوهم للأراضي البلجيكية.
في لوحاته الأخيرة أصبح الفنّان يركّز على رسم مشاهد من الحياة اليومية. كما وجد من الوقت ما يكفي لرسم زوجته وبناته ومزاولة التدريس في معهد شيكاغو للفنّ.
وقد توفّي جورج بيلوز عام 1925 بسبب مضاعفات عملية إزالة الزائدة الدودية.
ولوحاته تتوزّع اليوم على بعض المتاحف والمجموعات الفنّية الخاصّة في الولايات المتّحدة.