مـوت تشاتـرتون
للفنان البريطاني هنـري واليـس، 1856
لأوّل وهلة، تفتنك هذه اللوحة بمزيج ألوانها الرائعة والمبهجة. غير أن موضوعها ابعد ما يكون عن الانطباع الذي تثيره ألوانها. فهي تصوّر حادثة موت احد الشعراء الانجليز الذين عاشوا في القرن الثامن عشر. وما تزال حادثة موته يحيط بها الكثير من علامات الاستفهام والغموض إلى اليوم.
كان توماس تشاترتون احد أقطاب الأدب الرومانسي. وكان لموته المبكّر وهو في سنّ السابعة عشرة اثر عميق على الشعراء الرومانسيين في زمانه.
ووردزوورث كان يصفه بالفتى المدهش.
وكيتس أهداه إحدى قصائده.
وكولريدج كتب عن موته قصيدة يصف فيها كيف انه غادر الحياة فقيرا، جائعا ومشرّدا.
واللورد بايرون اعتبر تشاترتون إنسانا عبقريا عُومل بالإهمال واللامبالاة.
شهرة توماس تشاترتون جاءت من تقليده أشعار راهب اسمه توماس راولي عاش قبل قرنين من ذلك الزمان.
وقيل إن تشاترتون كان يعدّل ويزيد في أشعار الراهب قبل أن ينسبها إلى نفسه.
وقد نشرت له الصحف آنذاك العديد من القصائد التي أسهمت في ذيوع اسمه وازدياد حظوته في أوساط الشعر والأدب. غير أن الصحافة توقّفت عن نشر المزيد من نتاجه بعد ما أشيع عن انتحاله قصائد غيره ونسبتها إلى نفسه.
وشيئا فشيئا، أحسّ تشاترتون باليأس ثم تدهورت أوضاعه وعانى من الفقر والتشرّد. وفي احد أيّام أغسطس عام 1770 عُثر على جثّته في غرفة على سطح احد المنازل القديمة والى جواره أوراقه وقصائده التي مزّقها قبل أن يموت.
وقيل وقتها إن الشاعر مات منتحرا اثر تناوله مادة الزرنيخ القاتلة.
هذه اللوحة هي أشهر لوحات هنري واليس، وفيها يصوّر حادثة موت تشاترتون بعد مرور حوالي مائة عام على الحادثة.
ويظهر تشاترتون في اللوحة وهو مستلق على سريره وعيناه مغلقتان ووجهه شاحب، بينما سقطت يده اليمنى على طرف السرير وإلى جواره زجاجة فارغة.
كما يظهر بالقرب من رأسه صندوق صغير مفتوح تناثرت منه الأوراق على أرضية الغرفة.
التباين القويّ بين الألوان، والضوء الذي يلقي بظلاله الباهتة على المكان، يضفيان على مشهد الموت طابعا دراماتيكيا.
بعد وفاة تشاترتون دُفنت جثّته في مقبرة تمّ تحويلها في ما بعد إلى سوق، ونُقلت رفاته بعد ذلك إلى مكان مجهول.
في العصور التالية، تعاظمت شهرة الشاعر وازداد الاهتمام به، خاصّة في سياق الثقافة الشعبية التي تمجّد الموت الناتج عن المخدّرات وتخلع على حوادث الانتحار في سنّ مبكّرة أوصافا رومانسية وجذّابة.
بعض المؤرّخين والنقّاد توقّفوا عند ظاهرة انتحار بعض الشعراء وربطوا ذلك بالانفعالات العميقة التي تنتاب الشاعر عادة وتدفعه نحو حالات متطرّفة من السلوك، من قبيل ما حدث للشاعرة الأمريكية المشهورة سيلفيا بلاث التي خنقت نفسها في فرن للغاز.
الانفعالات الشديدة والمتطرّفة قد تكون هي أيضا، برأي النقّاد، وراء موت العديد من الشعراء قبل بلوغهم سنّ الأربعين، مثل بيرسي شيللي وجون كيتس وآرثر رامبو وآن وإميلي برونتي والكسندر بوشكين واللورد بايرون. وهناك لوحة تصوّر الأخير وهو على فراش الموت بعد أن أصيب بجروح نافذة أثناء مشاركته في الحرب الأهلية اليونانية.
لكنْ مؤخّرا ظهرت تكهّنات تشكّك في الرواية التي تقول إن توماس تشاترتون مات منتحرا. فقد قام فريق من الأطبّاء بفحص كتاباته وتحليل شخصيّته وحالته العقلية والشائعات التي تناولت حياته الخاصّة ورجّحوا احتمال أن يكون موته عارضا بسبب جرعة زائدة من الزرنيخ الذي كان يتناوله لعلاج مرض تناسلي كان يعاني منه.
الرسّام هنري واليس عُرف عنه تأثّره بالأسلوب ما قبل الرافائيلي في الرسم. كما كان مهتمّا بالتاريخ واشتُهر عنه براعته في معرفة خصائص السيراميك وألّف عنه العديد من الكتب والمقالات.
وللرسّام لوحة أخرى مشهورة اسمها كسّار الحجارة صوّر فيها معاناة العمّال الفقراء الذين تدفعهم الحاجة للعمل المضني والشاقّ في ظلّ هيمنة الآلة وتغوّل رأس المال.