Friday, September 30, 2005

لوحـات عالميـة – 59


اوليـمـبـيــا
للفنان الفرنسي إدوار مـانيــه، 1863

يعتبر ادوار مانيه أحد أهمّ الفنانين الانطباعيين الكبار.
في بدايات حياته، ذهب إلى المانيا وايطاليا والنمسا باحثا ودارسا ومنقّبا، قبل أن يعود ثانية إلى فرنسا ليدرس الفـن الإسباني في اللوفر.
وعندما بـدأ اسمه في الذيوع، اجتمع حوله بعض كبّار الفنانين امثـال ليغرو وجيمس ويسلر.
عند عرض "اوليمبيا" في صالون باريس (1856)، أصيب النقاد والجمهور بالصّدمة، نظرا لجرأة اللوحة وحسيّتها الفائقة. ورغم ذلك قبل المحكّمون عرض اللوحة تجنّبا لاتهامهم بالتشدّد في الرقابة، خاصة بعد أن رفضوا قبل ذلك لوحة أخرى للفنان. ويبدو انّهم سعوا إلى تجنّب نقـد وتقريع الجمهور وفضّلوا بدلا من ذلك تعريض الفنان المشاكس لغضب النقّاد والعامّة.
"اوليمبيا" هي اشهر لوحة عارية ظهرت في القرن التاسع عشر، وقد ارتبطـت صورة المرأة العارية في أذهان الناس آنذاك بالبغاء.
اللوحة تصوّر اوليمبيا التي استخدم مانيه لرسمها "فيكتورين موران"، الموديل التـي ظهرت في اكثر من لوحة من لوحاته. وبالإضافة إلى المرأة هناك خادمة سمراء وقط اسود. وعلى وجـه اوليمبيا ارتسمت نظرات غامضة لا ُيعرف على وجه التحديد إن كانت تنمّ عن حزن أو ازدراء. بينما راحت الخادمة تقدّم لسيّدتها باقة من الزهور ربّما كانت هديّة من أحد زبائنها.
اللوحة، كما هو واضح، مثيرة في حسيّتها، فالبشرة شديدة البياض والعينان سـوداوان واسعتان كما أن ربطة الشعر الحمراء وانحناءة اليد الخفيفة وحدّة التباين بين الموديل والخلفية الداكنـة، كلّها عناصر أراد من ورائها الفنان تكثيف الإحساس بإثارة المشهد وحسيّته.
هذه اللوحة هي ترجمة لا تختلف سوى بالكاد عن لوحتي الفنّانًين الواقعيّين جورجيوني وتيتيان اللتين صـوّرا فيهما نساءً عاريات، كما أن اللوحة تتضمّن شيئا من كلاسيكية آنغر، ويتجلّى هذا في دقّة رسم تفاصيـل الجسد.
الثورة العارمة التي جلبتها اللوحة على مانيه مثّلت فرصة سانحة للفنانين الانطباعيين الشباب آنذاك، الذين هبّوا للدفاع عن مانيه ودعمه بوجه منتقديه، باعتباره بطلا وقف بشجاعة ضدّ التعصّب والتحامـل والجهل.
وفي غمرة ذلك الجدل تقوّى الانطباعيـون اكثر وتجذّرت أفكارهم واتّسع نفوذهم. كما انبرى للدفاع عن مانيه كبار الأدباء والفنانين من أمثال اميل زولا و شارل بودلير و ديلاكروا.
لا ُيعرف بالتحديد ماذا كان يقصد مانيـه من وراء رسم هذه اللوحة، وهل أراد تقديم عمل فنّي كبير أم انه ببساطة أراد أن يسخر من طريقة سابقيه من الفنانين الذين رسموا لوحات مماثلة.
مانيه كان ينتمي للشريحة الاجتماعية فوق المتوسّطة في باريس، وكان الفنان الوحيد بين معاصريه الذي لم يكن مضطرّا لبيع لوحاته من اجل كسب العيش. فقد كان يتمتّع بمنزلة اجتماعية مرموقة مكّنته من مصادقة الفنانين والأدباء الكبار في ذلك الحين.
هذه اللوحة ظلّت مصدر الهام للكثير من الفنانين المعاصرين. ومؤخرا ُانتج فيلم سينمائي عن "اوليمبيا"، تحدّث فيه عدد من النقاد ومؤرّخي الفن ودارسيه عن أسباب شهرة اللوحة والجدل الكبير الذي أثارته في حينه.